إنطلقت يوم الخميس الماضي في السادس من شباط/ فبراير الجاري العروض الجماهيرية لمسرحية: «صبحية» على خشبة «مونو»، نص وإنتاج وتمثيل: جوزيان بولس، ومعها ماغي بدوي، والشابان: يارا زخور، وهادي بو عياش (بطل فيلم: «إسمعي» لـ فيليب عرقتنجي 2017)، وإخراج لينا أبيض، أنشط مخرجة على الساحة اللبنانية رغم ظروف لبنان الصعبة.
شأن يومي، مع موضوعات معاشة إجتماعياً، إقتصادياً، وقضايا الشباب، الزواج، العنوسة، الأمومة، وحصة وازنة للمرأة في النص والتمثيل والإخراج بما يدفع المشروع صوب النسوية، مع رجل راحل، وآخر وحيد، لكنه محاط بوالدته جميلة (جوزيان) وخالته هدى (ماغي) وحبيبته ميريام (يارا)، إنه المصوّر الفوتوغرافي سامر (هادي) الذي يغطِّي الأحداث والحروب بقلب قوي ومهنية واضحة.
الـ «كاستنغ» موفّق جداً. إدارة الممثلين مع الأستاذة «لينا» أمر ضروري من خلال دفق العفوية والتواصل والشفافية، بحيث لا يشعر المشاهد أنه متفرج على التمثيل داخل صالة مسرح، بل هو واحد من الحضور شارك في الحوار والحركة وصولاً إلى إعلان الانضمام إلى هذا الصرح العظيم بكل ما فيه من تناقضات وأفراح وآلام.
ميلودراما الأختين، الأرملة جميلة والعانس هدى، مساحة حقيقة وواقع تلتهب بها الخشبة، مع نص مطواع يُساعد جداً عملية الغوص في متطلّبات مجتمع اليوم، إمرأتان بدون مستقبل، لا آمال عندهما، الأولى تفكر في سلامة إبنها على الجبهة مصوّراً حربياً، والثانية تتذكّر أكثر من شاب طلب يدها لكنها قالت لا دائماً معتبرة أنها ستنال أفضل الرجال يوماً، لكنها لم تفلح و«أكلت الضرب»، وتحاول مع سامر إبن شقيقتها أن تجعله جريئاً في علاقته بالصبية ميريام، من دون أن تعرف بوجود عاطفة قوية بينهما منذ الطفولة، وشكّلت عودة الشاب إلى قريته متزامنة مع لجوء الصبية إلى القرية نفسها التي كانت وذويها يصيِّفون فيها عاماً بعد عام، وهما اليوم في باريس وهي وحيدة هاربة من أجواء القصف وأجواء الحرب التي كانت سائدة إبان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان.
وسط هذه الأجواء يبدع الممثلون الأربعة بإدارة المخرجة أبيض، إنهم يعيشون العمل في ألفة وحسن أداء وتفاعل نموذجي خدمة للدور، وإذا كانت جوزيان تملأ مكانها بإقتدار تستحقه، فإن الممثلة «ماغي بدوي» الغائبة عن الأدوار ذات المساحة الكافية لاستعراض قدراتها الفنية، تحضر في «صبحية» بفعالية، وتشكّل مع جوزيان «ديو» جميلاً متآلفاً ومتعمّقاً في لعب شخصيتين منسجمتين لممثلتين قادرتين.
خيار الممثلين الشابين: يارا وهادي في محله تماماً. وقد أدارتهما المخرجة الديناميكية لينا بكثير من الطواعية والصدق، وهما أدّيا ما عليهما بكثير من الصدق والدفء والإبداع.
«صبحية»... عمل رشيق، جميل، خفيف الظل، ومخرجته ومنتجته يغادران إلى باريس في أيار/ مايو المقبل للمشاركة بمسرحية: «مسيو بشارة» عن نص للمحامي الكسندر نجار مع (أنطوان بالابان) في «أسبوع المسرح اللبناني في باريس»، ومعها أعمال أخرى: نعم أرضي (ندى أبو فرحات، وعمار شلق)، جوكنغ (حنان الحاج علي)، الوحش (كارول عبود، ودوري السمراني)، وستاند أب كوميدي مع وسام كمال وشاكر بو عبد الله.
يبقى أن المسرحية جديرة بالمشاهدة ففيها كل عناصر الجذب التي تتطلّبها الأعمال الناجحة، أما إقتحام الساحة بها في هذه الظروف فيمثل جرأة وثقة بالنفس، وفي الحالين: «صبحية» تستحق المغامرة والمتابعة والمباركة.