بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 أيلول 2020 12:00ص طلال سيف في «البرنيكة» ... والرجل الأبيض طيف لا يفارقه

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
«رنين عوده الشلبيّ حزناً يسابق صوته الذي ألهب الميادين، ثورة وحلماً.. يرنّ العود وقلبي يرنّ حسرةً مع صوته المتعب... كان فيه وطن.. حلم اتسرق.. وحوش غير حبّة ديابة... في الغلابة بينهشوا.. كان فيه وطن».

رمزي.. رامي.. سمير ... مرقص.. عبد الكافي.. لا يهم!! أسماء حفظتها جدران السجون - سجون أتعبتها صرخات آلام التعذيب.. وأرخت جفونها خجلاً من ممارسات همجية.. حيوانية تجاه أشخاص كان قدرهم أن يبقى وجع الوطن ألماً محضّاً في حياتهم.. حاولوا لملمة جراحه.. فاثخنوهم جراحاً.. وقتلا.. واغتصابا لأحلام وردية في وطن.. «أنزوي تحت غطائي وأهمس.. عيْش.. حرية عدالة اجتماعية، همساً لا يكاد يسمعه غيري.. أو هكذا خُيّل إليّ.. فجأة يضجّ  العنبر بالأصوات.. ينهض السجناء.. يشيرون ناحيتي.. يهتفون في آن واحد.. الحمار أهو..».

لم يكن يخطر ببال رمزي - الصحافي الكبير - أن يتحقق حلم أمه: «رأيتك بين كلاب سوداء ينتزعون عنك قميصك.. صرخت فيهم أن اتركوه.. فأتى رجل بلّوري أبيض وقال: دعيه يسدّد دينه [..] ظنّ انها أضغاث أحلام.. ولم يكن يدري أن أحلامه في وطن هانئ باتت  أضغاث أحلام.. وعصابة سوداء على عينيه.. ويداه مكبّلتان من الخلف.. وبعض المقبلات من الشتائم.. وأحدهم يقول: «ضعوه مع الجنائيين ابن..[..] أرعبته هذه العبارة ولم يكن يدري أن ما ينتظره أكثر سيكون رعباً. ولكن لم يكن شيئاً ليعنيه سوى: «لماذا أنا هنا.. الزنزانة خانقة..[..] وهاجس يراوده». حتما سترسل إليّ النقابة محامياً.. وستهتم منظمة حقوق الإنسان لأمري..[..] مطالب محقّة.. وحقوق إنسان غدت شعارات... الزمن تكفّل لإغلاقها بتغييبها في مجاهل النسيان والاحباط.. حقهم القانوني المعتمد في مصلحة السجون مقاس بلاطتين.. لكنك إلى جانب البرنيكة فافعل ما تشاء [..]».

لم يستمع الصحافي الكبير رمزي عبدالكريم لنصيحة انه بأن لا أحد يقف في وجه الريح.. وان العين لا تعلو على الحاجب.. ولم يسمع قولها.. «لا تعارضهم يا ولدي»[..]. لقد رفض عرض ضابط السجن في باديء رحلة السجون..  فتهمته كما أخبره كبيرة.. ولكن «التهمة كبيرة، وربما ليس هناك تهمة في الأساس..تتراجع مما كتبته في سلسلة مقالات «قهوتي مدنية.. ويا دار ما دخلك شر.. ألتفت إليه: لن أفعل[..] ثم ترحيل وسجون.. وباب محكمة.. ولافتة «العدل أساس الملك»... وليوقن بأن العدل تلاشى.. وأضحى الملك.. الوطن بلا عدل.. واشتياق لنفس حلمت ومضت مع رفاق دربها وكلها تعيين بتحقيق مطالب.. هي وطن تسود فيه الحرية والعدالة.. وما زال رمزي يعيش حالة لا وعي إرادي.. وما زال الرجل الأبيض بثوبه يتراءى له بين حين وآخر.. وآلام جسد مبرحة. وعذابات روح تقربه من صدق النبوءة».. «دعيه يسددّ دينه».. ولينتهي في نهاية مطافه بين السجون الى حقيقة: «وكأن الله ابتلانا بالسقوط في برنيكة أبدية.. نبتلع الشتائم صاغرين [..] والرجل الأبيض  البلّوري غدا طيف لا يفارقه حتى في منامه: «أخلد إلى النوم.. أراني والرجل البلّوري بضريح سيّد أبو المجد، في يدي قيد من حديد، يقرأ عليه الرجل بعضاً من كلمات حزب الدسوقي الكبير... ينفرج القيد ويتلاشى، يختفي فجأة فأخرج تائهاً بين آلاف البشر العائدين من الموت  بأكفان بيضاء..[..] ثم ليستقيظ على صوت أمين الحراسة: «رمزي عبدالكريم.. إخلاء سبيل [..]. وكما تمّ  القبض عليه دون أن يعرف السبب.. تمّ إخلاء سبيله -أيضاً- دون  أن يعرف السبب! ولكن... لتكون تلك هي المرة الأخيرة التي عرف فيها الصحافي الكبير رمزي عبد الكريم نفسه..».

---------------------

*الرواية صادرة عن دار أجيال

ضحى الخطيب