بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الثاني 2018 12:19ص «طيور أيلول» لـ«لينا أبيض»: الإخراج في قبضة البساطة

الكاتبة «نصر الله» حضرت روحها من خلال العصر الذي عاشته...

حجم الخط
لا شك أن المخرجة المخضرمة لينا أبيض هي الأنشط بين معظم مخرجي المسرح في لبنان. هي لا تكتفي بمسرحية في العام، وأحياناً تتجاوز المسرحيتين إلى ثلاث أو أربع مما يجعلها محط حسد من زميلاتها وزملائها حيث يلفت استنباطها للمشاريع المسرحية في وقت قصير، ومن دون ضجيج، عكس ما يحصل بعد عرض أعمالها.
جديدها «طيور أيلول» رواية الكاتبة الكبيرة اميلي نصرالله الراحلة مؤخراً، وما تفعله «لينا» هنا يتجارز التكريم إلى حدود التقدير والاقرار بقيمة هذه المرأة المبدعة والرائعة التي رصدت لنا مناخ الضغط على النساء في حقبة صعبة من تاريخ لبنان، عاشتها بكل تفاصيلها ورصدتها في أكثر من رواية، لكن «طيور أيلول» شملت قضيتين جوهريتين: حقوق النساء، والهجرة القسرية، وكانت في كلا المعالجتين سيّدة مادتها، فاعلة - صريحة، مباشرة، وامرأة انسانة.
تعترف المخرجة «أبيض» بأن المعالجة المسرحية لهذه الرواية لم تكن سهلة والامر الذي لامست أحاسيسنا وجلدنا الطري هو الفانتازيا السهلة التي تعتمدها، سواء في تخريج النص مشهدياً، أو المساحة التي تعطيها لمساعديها لكي يكونوا على قدر رحب من الحرية والمسؤولية بما يخدم التوجه الأساسي الذي رسمته كهيكلية لتقديم العمل إلى النّاس، هنا نجد أن ما فعلته في هذا الصدد كان انجازا يُحسب لها، ويوضع في خانة ايجابياتها الكثيرة.
واضح أن الفنانة «لينا» لم ترد سرد حكاية الصبايا في رواية الكاتبة «نصر الله»، بل بحثت كمخرجة نبيهة عن سياق يُخرج جمود الرواية من سنواتها الطويلة، وعصرها الذي ميّزها على الدوام، إلى آفاق عصرية رحبة تمثلت في مبايعة الجيل الشاب الجديد، ومنحه فرصة الخوض في مواجهة مع ذاته من خلال ما طرحته الكاتبة الكبيرة، من قضايا أساسية تمس العائلة، والمجتمع، والوطن، حيث تبدو المرأة مكسورة محطمة منزوعة الحرية، وقابضة على الجمر بقوة وصلابة.
أحببنا توزيع الكراسي على الخشبة، وجعل أحد السلالم المستعملة في المنازل لبلوغ الأماكن العالية، ديكوراً لنافذة يلتقي عندها الأحبة الهائمون ببعضهم البعض، بعيداً عن عيون الحساد والأهل.
 الهجرة صعبة جداً. كانت قاسية على الأهل والأصدقاء، وخصوصاً على الأحبة. كان الشاب يغادر تاركاً من أحبها لمصير مجهول، في وقت كان الحب عذرياً رومانسياً، متميزاً بنقاء وشفافية، ومعه تنهار حبيبة هنا وأخرى هناك.
هذا المناخ تجسّد بقوة ووضوح على خشبة مسرح «إيروين هول» في الجامعة الأميركية - اللبنانية (LAU)حيث افتتحت ليل الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري وسط حضور كثيف، سعد بتدخل المخرجة «لينا» من مكان جلوسها في الصف الأمامي - للتحدث مع الممثلين في المسرحية كما لو كانت تجري البروفات التي تسبق العرض الجماهيري بمادة، لكن فانتازيا الإخراج جعلت عرض الافتتاح أقرب ما يكون إلى التمارين قبل العرض، لذا شعر الحضور بأنهم حققوا كسباً مضاعفاً في عرض واحد، وليلة واحدة.
كل ما في العرض قريب من القلب والعقل. وهي تحية مهمة يفترض أن تأخذ طريقها إلى التقدير الخاص، ونحن يعنينا ذكر أسماء الممثلين الذين شاركوا في تقديم العمل، وهم: (هادي أبوسليمان، آدم أبوعزالدين، علي اتحاد، سيلينا بوري، منى داود، ترايسي الراعي، آيا ليل طربيه، ساندرا عبد الباقي، ياسين عبود، وليم العقيلي، ستيفاني العميري، علاء عيتاني، كارينا مدوّر، نورما ناصر الدين، وسارة ناصيف)، إضافة إلى مصممي الديكور (تولين حمود) الماكياج (روبرت ميناسيان) الاضاءة (رهف جمال، وسامر الشعار) الصوت (لين نكد) والانتاج (هالة المصري).
«طيور أيلول» مسرحية خاصة جداً، لمخرجة بعيدة عن النمطية، تعرف ماذا تريد، وتقتحم الموضوعات اللافتة من دون حذر أو وجل.