بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آب 2020 12:02ص عباس خلف في كتابه «ملح الأرض» إستعادة لحقبة في ظلِّ قامات قومية عملاقة

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
يستعيد الوزير السابق عباس خلف، في إصداره، «ملح الأرض: مسيرة إلتزام ونضال ووفاء»، حقبة مضت في ظل قامة قومية عملاقة في الوطن العربي: لفكرة الجمهورية العربية المتحدة، في الزمن الصعب، جمال عبد الناصر. كأنه يحيي له الذكرى الخمسين لرحيله، والذكرى الثامنة والستين للثورة الناصرية.
كذلك يستعيد خلف، بالحرارة نفسها، حقبة مضت في ظل قامة وطنية عملاقة في لبنان، الرئيس المؤسس للحزب التقدمي الإشتراكي، الزعيم الراحل، الشهيد كمال جنبلاط، في الذكرى 71 لتأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي. (5 حزيران 1949). وفي الذكرى الثالثة بعد المئة، لميلاده.
ثنائية وطنية وقومية، عاشها الوزير السابق خلف، فأولدت له سفره الضخم، مؤخرا : «ملح الأرض»، بعدما تذوّق نفسه بنفسه، الملح في الجرح، بصحبة الرئيسين: الشهيد كمال جنبلاط، والرئيس المجدد، وليد جنبلاط.
كأن عباس خلف، بعمله هذا، يكمل المسيرة الوطنية القومية، بعد إستشهاد المؤسس، كمال جنبلاط، في آذار 1977، بتأسيس جمعية أصدقاء كمال جنبلاط، يدا بيد، مع رئيس الحزب الأستاذ وليد جنبلاط.
كتاب عباس خلف: «ملح الأرض»، يفتح الشهية لتذوّق طعم الملح، في جرحين نازفين حتى اليوم: الجرح الوطني، والجرح العروبي القومي. حيث كان ينصهر اللحم اللبناني باللحم العربي والفلسطيني، مكابدة وإستشهادا، مغمّسا بالنضال اليومي، للحفاظ على الهوية بوجهيها، اللبناني والعربي.
عاد خلف، إلى أرشيفه، يسترجع ما تبقّى منه في مدوناته وفي مقالاته. وعاد إلى ذاكرته، يستعيد ما ترسّب في قعرها من ذكريات، حلوة ومالحة.
كنت أقرأ الجروح المالحة التي إستعادها في أجزاء كتابه السبعة. وفي سفره الضخم الذي يبلغ نيفا وأربعماية صفحة من القطع الكبير(A4).
ثلاثة عقود، عمّقت في نفسه، الهوية والقضية. كان خلالها «يفرُّ من قدر الله، إلى قدر الله».
بسط يديه على أوراقه، وإستنطق قلب لبنان، متمثلا، بالرئيس المعلم كمال جنبلاط. وإستنطق بالمماثل قلب العروبة وقلب القضية، متمثلا بالرئيس الخالد، جمال عبدالناصر.
حدب في تضاعيف كتابه، على تذوّق الملح في الجرح الفلسطيني المفتوح. يسافر في المهام الصعاب، التي يكلفه بها المعلم، فيبدو رجل الأزمات والأوقات الصعبة.
يقف عباس خلف على المنابر، يتحدث بإسم لبنان. فيبدو لبنان أعظم من وطن صغير، بجانب القضية الفلسطينية، القضية المركزية الكبرى، وبجانب الوطن الكبير.
يحمل الرسائل إلى الزعماء والوزراء. يضيء العتمات، ويعرّي الأكمات. ويمضي إلى حيث يجب أن يمضي، في الشرح والتنوير. والملأ شاهد عليه وبصير.
ما فاته الحديث عن المرحلة الحزبية بين عامي: 1953-1977، حيث كان يتابع مسيرة النضال المستمر، إلى جانب المعلم كمال جنبلاط، حتى برهة الشهادة. فذاق طعم المرارة في الجرح المملح بعرق الشهداء والمناضلين، وبتراب الجبل وأرض الشوف، تحت أرز الوطن الحزين.
مسيرة نضالية مشرّفة وَسَمت التاريخ اللبناني والعربي، بالدم المملح مذاك حتى اليوم. تاركا لـ «حمال الأسي»، وليد جنبلاط، حملا ثقيلا، تنوء الجبال بحمله.
تحدث الوزير عباس خلف، عن تجربته في الحكم، بين عامي 1974-1975. عارضا إنجازات وزارته، كأنه الدخيل في مكان الأصيل. يستظله حتى النفس الأخير.
جمع الكتاب بين دفتيه، المحاضرات والمقالات التي تخيّرها، بين عامي 2002- 2007، حيث أبان فيها، بكل دأب وإصرار، على إظهار إلتزامه الوثيق، في الخط الوطني والعروبي.
كتاب «ملح الأرض»، يوثق أيضا، لـ «رابطة أصدقاء كمال جنبلاط»، التي سار بها بين صفوف القدماء والجدد. جاعلا منها منبرا نضاليا بإمتياز. يؤدّي رسالة في تعريف الأجيال اللبنانية والعربية الصاعدة، بتراث كمال جنبلاط الفكري والفلسفي والنضالي، برؤيته السوبرانية والمستقبلية.
في كتاب «ملح الأرض»، يضعنا المؤلف، أمام تأسيس «التجمع المدني لسلامة المواطن (Safe Citizen) ٢٠١٣-٢٠١٥». قال المؤسس عنها، إنها مبادرة جادة لمكافحة الفساد من خلال «لوبي» مدني فاعل.
وأخيرا، يتحدث المؤلف، في الجزء السابع والأخير، عن العمل المهني: ALICO AIG (1955- 2000) وفيه شهادات من زملاء للمؤلف وزميلات، عملوا مباشرة معه. مقدرا الجهود والعطاءات التي بذلوها، على هذا الصعيد.
قد قضينا زمنا، نحسب أن الحزب والنضال، مسيرة تتمرحل مع العصر والمصر. فإذا هي كما وجدها عباس خلف، مسيرة مالحة. ترسمها أقدام المناضلين والشهداء، دروبا تلو الدروب، تتذوّق مرارة الجرح، تماما كما تتذوّق «ملح الأرض.» خصوصا بعدما وثّق مسيرته وعمله، مع كمال جنبلاط الذي إعتبره وما زال القائد والقدوة. فبدا بذلك رجل إلتزام، ورجل وفاء، ورجل المرحلة المقبلة، إلى جانب الرئيس وليد جنبلاط.
عباس خلف في كتابه «ملح الأرض»، أمة في رجل. وتاريخ نضالي وثيق ودقيق. بل قل، إنه «تاريخ التاريخ» نفسه، في الحقبة الصعبة من تاريخ لبنان، وتاريخ القضية الفلسطينية وتاريخ الأمة العربية جمعاء.
د. قصي الحسين
 أستاذ في الجامعة اللبنانية