بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 آذار 2020 12:10ص «عم يقولوا إسماعيل إنتحر» لـ «محمد دايخ» على خشبة «المدينة»

ثاني خبطة مسرحية يسجّلها «حسين قاووق» بعد «شوووو ها»..

حسين قاووق ومحمد الدايخ في المسرحية حسين قاووق ومحمد الدايخ في المسرحية
حجم الخط
نحن بلد المفارقات والغرائب. فلنتصوّر كيف هي حال البلد إقتصادياً وإجتماعياً مع إضافة كابوس «كورونا»، ورغم ذلك فإن الأعمال الفنية الجديدة من مسرحية وسينمائية تغزو الخشبات والصالات المظلمة بأعداد كبيرة وكأنما لا مشاكل ولا من يحزنون. هذا لا يزعجنا إطلاقاً لكن علينا الإشارة إلى هذا الواقع حيث الوقوع عندنا هذه الأيام سائد في كل القطاعات، وكأنه قدر مكتوب علينا ولا مهرب منه.

نعم مسارحنا كلها تعمل، والجمهور يؤكد حالة الإنفصام التي يعيشها بين نهارات يخيّم عليها التشاؤم وليالٍ فيها سهرات وحفلات ومناسبات مع نساء بكامل أناقتهن ورجال بملابس تعكس أحوالاً لم يعرفها البؤس يوماً، وزحام خانق في خطوط التواصل بين شطري العاصمة. لكننا سنتوقف عند محطة مسرح المدينة في شارع الحمراء – ليل السبت في 22 شباط/ فبراير الجاري، فبعد عروض قليلة ومميّزة لمسرحية «عم يقولوا إسماعيل إنتحر» أقيم عرض لهذا العمل وكان من حظنا أننا شاهدناه، فلأول مرة نواكب مسرحية للفنان الشاب «محمد دايخ» رغم أنه قدّم سابقاً (لعل وعسى، وكل شي طبيعي يا عبدالله)، ولثاني مرة نشاهد الموهبة اللامعة والمبدعة «حسين قاووق» بعدما كان فاجأنا في «شوووو ها» نص وإخراج يحيى جابر على خشبة «تياترو فردان».

نعم لقد عشنا تجربة جديدة مع الفنانين الشابين. بداية شعرنا كأننا شاهدنا ممثلاً نراه لأول مرة، فـ «قاووق» عجينة مختلفة، خبيزها هنا غير الذي عرفناه مع «جابر»، تتآلف التجربتان في إضاءات الممثل، المشعّ «من طاسه لراسه» بإبتكارات حركية يبتدعها بعفوية تنسجم مع نص بالغ الجمال والشفافية يؤدّيه «حسين» كأنه وليد اللحظة من بنات أفكاره، وتكمن أهميته ونباهته في أن ترافق الحركة مع الحوار المناسب يؤكد للمشاهد أن الممثل يبتدع مونولوغه في اللحظة إيّاها. هو مشهد صعب. يريد «إسماعيل» أن ينتحر وهو لهذا الغرض لم يترك خطة أو وسيلة إلا وإعتمدها لوضع حد لحياته، لكنه عندما يصوّب المسدس إلى دماغه لا تهدأ يده عن الرجفان، وهو يستنجد بالخالق أن يساعده على الخلاص عن طريق إسقاط سقف الشقة التي دخلها فوق رأسه، ثم يقرر خلط التمثيل بالواقع عن طريق إدّعاء إصابته بنوبة قلبية لكنه يقع بإرادته ويبقى حياً.

رغم كل هذا التشاؤم والرغبة في الموت يطلب من المولى عزّ وجلّ مليون دولار، ليهبط بالرقم إلى 50 ألف دولار والغاية دائما التنعّم بصرفها قبل الرحيل، إلى أن يترافق دعاؤه مع دخول الشاب عبده (دايخ) إلى الشقة التي كانت متروكة تماماً وبيده حقيبة صغيرة إعتقدها إسماعيل تحتوي على المبلغ الذي طلبه معتقداً أن الشاب ما هو إلا ملاك مكلّف بمهمة توصيل المبلغ إلى إسماعيل الذي عانى من الأقاويل التي ستنتشر عنه في القرية إذا ما نجح في قتل نفسه «إسماعيل مين.. هيدا اللي إنتحر» ثم يؤشرون على والدته ويقولون «مش هيدي اللي إبنها إنتحر» يعني أنه سيصبح حديث الضيعة وملهاتها، ويكون تشابك في المعطيات حين تنقلب الأدوار بين الشابين: إسماعيل وعبده، من دون أي نتيجة، فلا إسماعيل إنتحر، ولا عبده الذي قدّم نفسه قاتلاً محترفاً ومأجوراً تجرّأ على فعل شيء، فيما نحن أمام ديكور فائق التواضع، لأحداث لم تتطلب أكثر منه أبداً. وإذا كنا بالغي الإعجاب بحضور «حسين قاووق»، فإن نص وحضور محمد الدايخ له خصوصية مع كاريسما في الكتابة والتمثيل، خدمه في ذلك الشخصية النقيضة لـ إسماعيل.