بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيار 2020 12:00ص عمر فاخوري الحلقة الثالثة (بيروت - باريس)

ليلة سفر عمر إلى فرنسا من اليمين عمر فاخوري ومحيي الدين النصولي وخضر تعباني ليلة سفر عمر إلى فرنسا من اليمين عمر فاخوري ومحيي الدين النصولي وخضر تعباني
حجم الخط
ما أن انتهت ذيول مصادرة كتاب «كيف ينهض العرب»؛ حتَّى عمل «عمر فاخوري»، بدءاً من سنة 1914، مدرِّساً في بعض معاهد بيروت؛ كما التحق في سنة 1915، ووفاقاً لما ترويه «وداد سكاكيني» في كتابها «عمر فاخوري أديب الإبداع والجماهير» الصادر سنة 1970، بالقسم الصَّيدلي من «المعهد الطبِّي» العثماني؛ ولعلَّ هذا الالتحاق كان محاولة من «عمر» لتجنُّب زجِّه جنديَّاً في ركاب من كانوا يرسلون، من قبل السلطة العثمانية، إلى جبهات القتال؛ إذ كان طلبة هذا المعهد يعدُّون، للبقاء في بيروت، وتقديم العون في الشؤون الطبية للحرب.

تركَ «عمر فاخوري» دراسة الصَّيدلة، مع إعلان انتهاء الحرب العالمية الأولى، وشرع ينشر مقالات له في جريدة «الحقيقة»، ذات النزعة التحررية الوطنيَّة، وكان يحرر هذه المقالات باسم «مسلم ديمقراطي». ويبدو من بعض المراجعات التاريخيَّة، أن الشيخ «أحمد عبَّاس الأزهري»، هو مؤسس جريدة «الحقيقة»، وقد صدر العدد الأوَّل منها يوم السَّبت، الواقع فيه 6 شباط سنة 1909؛ ووفاقاً لما يورده علي محمد حويلي، في أطروحته الأكاديمية لنيل الدكتوراه في موضوع «التطور الثقافي لمدينة بيروت»، سنة 1990، وكما ورد في عددها 239، الصادر يوم الاثنين، الموافق 2 أيار 1910، تدعو إلى الكفِّ عن السِّجال الطَّائفي والتعصب الديني، وتعمل على توجيه الرأي العام، نحو قضاياه المصيرية والوطنية. لم يكن «عمر فاخوري» وحيداً في هذا المجال، فثمَّة أدباء كبار ومفكرين تحرريون أخرون كانوا ينشرون في جريدة «الحقيقة»، منهم «محمد عزَّة دروزة»، وفاقاً لما يرد في مذكراته الصادرة سنة 1993، ومحمد رشيد رضا، وفاقاً لـما يورده «وجيه كوثراني» في كتاب «مختارات سياسية من مجلة «المنار» لرشيد رضا، الصادر سنة 2019، الإمام رشيد رضا، الذي كان يوقع فيها مقالاته بإسم «السيِّد».

يبدو أنَّ ممارسة «المحاماة»، استهوت «عمر فاخوري»، كما كثيرين من أبناء جيله. كان من الشروط المحددة لممارسة المهنة من قبل «نقابة المحامين في بيروت»، التي أنشئت، وفاقاً لما يذكره موقعها الإلكتروني، بموجب قرار الحاكم الإداري العام رقم 192 الصادر يوم الخميس، الواقع فيه 6 شباط 1919، حيازة شهادة في الحقوق صادرة عن إحدى كليَّات أوروبا أو أميركا أو مصر أو المملكة العثمانيَّة. وهنا يدخلُ «محمَّد الفاخوري»، مجدَّداً في بعض محطَّات عيش «عمر فاخوري»؛ إذ كان قد سبق وخلَّص «عمر فاخوري» من ملاحقة سلطات الوالي العثماني، «حازم بك» له سنة 1913.

عقد «محمَّد الفاخوري» مع «عمر»، وهو ابن ابنة خاله، اتفاقاً يقضي بسفر «عمر» إلى العاصمة الفرنسية باريس، لدراسة الحقوق؛ على أن يتكفَّل «محمَّد الفاخوري» بمصاريف السَّفر ونصف نفقات الإقامة؛ وأن يعمل «عمر»، لتحصيل النصف الآخر من النفقات، في الشَّأن التجاري في باريس مع «توفيق فايد». أما «توفيق فايد»، ووفاقاً لما يذكره «مصطفى عبد الرحمن مازن عساف»، في كتاب «الفكر السياسي في سورية في ظل الانتداب الفرنسي - 1920-1946»، الصادر سنة 2005، من الطلاب الذين كان يدرسون في باريس، كما من الأركان المؤسسين لـ «جمعية العربية الفتاة».

ما أن خفت بعض لهيب انتهاء «الحرب العالميَّة الأولى»، وصار لبنان، بناء على مقررات «عصبة الأمم»، ضمن رعاية «فرنسا»، وتحت سلطة «الانتداب الفرنسي»؛ حتَّى غادر «عمر فاخوري»، ووفاقاً لما يذكره «عبد اللَّطيف فاخوري»، في كتاب «الرسائل» الصادر سنة 1981، مرفأ بيروت، يوم الثلاثاء، الواقع فيه 13 كانون الثاني سنة 1920، متوجِّهاً بالباخرة إلى فرنسا، في رحلة استمرت اثنتا عشر يوماً. وكانت هذه هي المرَّة الأولى التي يلتقي فيها، وجهاً لوجه، ابن البيئة البيروتيَة الإسلامية ذات التوجه العروبي، مع «باريس»، بكل ما يمكن أن تعنيه باريس لـ «عمر فاخوري» في تلك المرحلة في مسيرته.

يبدو أنَّ «عمر فاخوري» شغل حياته في باريس، بشكل عام، بتوجُّهين أساسين؛ أحدهما ارتبط ببعض الأعمال التجاريَّة، كما كان الاتفاق بينه وبين قريبه «محمد الفاخوري»؛ وثانيهما تجلَّى في الاهتمام بالأمور الأكاديمية والفكرية. لقد نشط، من الناحية الأكاديمية، في متابعة ما يتعلَّق بنيله شهادة «الحقوق»، فسعى، من الناحية الأكاديميَّة، إلى محاضرات الحقوق والآداب، في باريس، وذلك حضور ما أمكنه من جلسات المجلس النيابي الفرنسي؛ كما تابع، في مجالات الفكر السياسي وأعماله، تطورات القضية العربية في أوروبا، وشارك في تأسيس «الجمعيَّة السوريَّة». واجتهد، من الناحية الثقافية، في عيش له للإيقاع الثقافي لحياة الفكر والأدب؛ من نواحيهِ الإبداعيَّة والجماليَّة؛ إذ أعجب بما رآه من نزعة إنسانيَّة ساخرة في أدب «أناتول فرنس» Anatole France (1844-1924). وقد علَّق «رئيف خوري»، لاحقاً، على هذا الأمر، في مقالٍ له بعنوان «عمر فاخوري في خمسين سنة»، نشر في العدد (9-10) من مجلة «الطَّريق» سنة 1964، بقوله «لن يُفهم عمر الأديب فهماً كاملاً، إلاَّ بإدراك التفاعل الذي تمَّ في ذاته بين اثنين على الأقل؛ أحدهما من الغرب، أناتول فرانس، والآخر من الشرق، الجاحظ». واهتمَّ «عمر فاخوري» كثيراً لـ «أناتول فرانس»؛ إذ عرَّب له مجموعة من آرائه ونشرها في كتاب سنة 1925، كما عرّب له، كذلك، ثلاث روايات؛ ونشر التعريب في حلقات متسلسلة في مجلة «الكشاف» بين سنتي 1927 و1931. واختار، أيضاً، من المسرحي والروائي الفرنسي «رولان رومان» Romain Rolland (1866-1944)، كتابه عن المهاتما غاندي، فعرَّبه؛ كما يروي عبد اللطيف فاخوري، في كتاب «الرسائل»، أن دعوة الناقد الفرنسي «(آلن) إميل شارتييه» Émile Chartier Alain (1868-1951)، إلى أن الجمال ليس في الشكل فقط بل في المضمون»، لاقت صدىً طيِّباً لها لدى «عمر فاخوري». 

وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة.

 رئيس المركز الثقافي الإسلامي