بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2020 12:00ص غادرنا... وبقيَ معنا

حجم الخط
هي أيام قليلة فقط مضت على رحيل الزميل عبد الرحمن سلام، رحمه الله وأسكنه جنات الخلد.

مجرد وقت قصير، أشعرنا سريعاً بفقده، أن يكون حاضراً على الدوام مسألة تريح النفس، وتجعل من القلب في حالة إرتياح والأعصاب في حالة إسترخاء. لكن البعاد على صورة ما نتعوّده يجعل الواقع ثقيلاً مع شعور بأن شيئاً نقص في النفس, نعم هي ملمح من الخواء والفراغ واللاوجود.

وطأة شديدة تضغط على الأنفاس ولا ندري لها خلاصاً. ففي العادي من الأيام لا مشاعر جاهزة لمعرفة أثر الفقد على أي منا لأن الحدث لم يحصل، ولا سبيل للتعرّف عليه إلا حين يحصل وهو ما خبرناه مع أكثر من تجربة حزينة نخسر معها قريباً أو عزيزاً يهبط علينا ثقل ما يبدو معه القلب في حالة إختناق ولا إختناق، هو إرهاق من دون تعب، ولهاث بينما أنت تراوح مكانك لا تتحرك ولا تبدي أي ردّة فعل. هذا المناخ من التداعيات أدخلنا في أتون لم ندر معه ماذا نفعل وكيف نواجه هذا الدفق من الصمت الغارق فينا حتى القعر، من دون بوادر القدرة على الكلام أو حتى التنفس.

غياب المقرّبين والأحبّة له طقوس لا حصر لها من الفوضى في الذات البشرية لا ندري لها تفسيراً لكنها تتملك بنا وتضعنا في حالة أشبه بالتخدير تحضيراً لعملية جراحية حسّاسة وخطيرة. لقد صادفتنا العوارض إياها مع زميلنا وصديقنا على مدى سنوات عبد الرحمن الذي عرفناه نزيهاً مواظباً متجاوباً خلوقاً مع مشاعر خاصة هي خليط من الأخوّة والمودّة والإحترام، سواء في مكاتب دار «اللواء»، أو في أماكن إقامة العروض والندوات أو حتى عندما أقام وعمل في القاهرة وسمعنا الكثير عن حسن علاقاته مع الزملاء المصريين وغالبية الفنانين من منطلق التقدير الذي ساد العلاقة خلال الفترة الطويلة التي أمضاها هناك في ميدان الرصد والمتابعة والتغطيات التي أكسبته صلابة مهنية وعمقاً في التعاطي مع الشأن الفني.

ورغم كثرة المشاغل والإرتباطات لم تسجل عليه أو معه أي شائبة أو تصرف سلبي، بل كان على الدوام متسلّحاً بتلك الإبتسامة الطفولية التي تتجاوز بالحب أي قطوع مهما بلغت تفاعلاته، وعُرف عنه عبارة يردّدها دائماً: «بسيطة بتنحل»، على إعتبار أن كل مسألة قابلة للحل بهدوء والكثير من الحسنى. ومن منظار الثقافة الفنية كان ملمّاً بالجوانب والخلفيات لأي قضية فنية يعالجها، وهو ما وضعه في خانة الأحكام الصائبة كلما دخل على خطوط الأزمات فوازنها وحللّها وخرج منها بخلاصة نموذجية من العِبَر والدروس المستفادة. ولطالما كان له دور في تقريب وجهات النظر بين الفنانين أو الزملاء معتمداً على مبدأ مهني يقول بأن الصحافة الفنية هي جسر تواصل ومودّة وإحترام بين الفنان والصحافي ولم تكن المسألة يوماً لا تنافساً ولا صراعاً ولا مواجهة بل كل الإحترام للفوز بفن راقٍ تحت أنظار صحافة مثقفة وواعية.

هذا قدرنا في الحياة الفانية.. البقاء للّه عزّ وعلا، وفقيدنا العزيز باقٍ معنا وإن غادرنا إلى الدار الأخرى.. رحمه الله.