بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 شباط 2020 12:00ص غرام حمانا في رواية «مسيو داك» للروائي «نزار عبدالستار»

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
تعكس رواية «مسيو داك» للروائي العراقي «نزار عبدالستار» والصادرة عن «دار هاشيت انطوان» عمق السحر اللبناني الذي يتطابق مع أهمية شجرة الكرز في حمانا، وبربط مع أوروبا وأهمية حماية هذه الشجرة من الحشرات التي قد تصيبها بالموت وفق معالجة درامية تميل الى التفكير في كل التفاصيل التي ينبشها من بيئة لبنانية أحاطها بانطباعات تترك أثرها الواقعي على الفنتازي متجاوزا المقارنات بين شجرة كرز في حمانا لبنان، وشجرة كرز في ايطاليا أو أي بلد غربي مما ذكرهم. وقد تميّز السرد بإشارات كثيرة تجمع بين المناطق اللبنانية بديناميكية اللهجة التي اتقنها مزوّداً الحدث بحشرة تهاجم جذور شجرة الكرز وتقضي عليها نهائيا لنخرج معه من البنوك والعوالم الاقتصادية الى الطبيعية والحب الذي «يأخذنا إلى أبعد مما يجدر بنا التوقف عنده» وبين إنقاذ كرز أوروبا وكرز حمانا تختار روبى التي تحمل الجنسية الإيطالية القضاء على الحشرة في جنينة توفيق في حمانا، لنشهد على قصة الحب المتشعبة مع الخيوط الاخطبوطية وتشابكها بين الاقتصاد والزراعة والفروقات بين أهميتها في لبنان والخارج «بلبنان هنا لا ينتجون أكثر من ثلاثين ألف طن من الكرز سنويا، هذا إذا بقي الرب رحيما ولم يهاجم المزارع بالموت الأسود. في لبنان لا فرق بين الكرز والبصل. سيزرعون البطاطا وتنتهي المشكلة».

فالاندماج مع حشرة ذكية وقضية المبيدات ووصفة الموت التي تريدها ريمر ومع تفاصيل قصة الحب التي تتماشى وطبيعة الفكرة الروائية التي انطلق منها «نزار عبدالستار» هي بمثابة فنتازيا تزهو بجمالية بلدة حمانا ومهرجانها السنوي للكرز تلك النبتة التي تناضل من أجلها شركة ريمر، كما تناضل روبى على محاربتها ومحاربة شيخوخة المرأة التي تبدأ في الأربعين من خلال الكثير من المخاوف التي تهاجمها كما تهاجم مافيا الكرز. فهل «مسيو داك» هي حشرة الكرز التي تفتك بنبتة تهتم لها أوروبا «إذا ما تضررت مزارع ايطاليا وفرنسا وأسبانيا فسوف تسيطر تركيا ومعها روسيا على سوق الكرز لسنوات طويلة». أم ان غرام حمانا هو جمالها الكرزي الذي يشعّ من الوصف الشاعري في هذه الرواية؟

قصة حب تجمع «مسيو داك» الاقتصادي وروبى عالمة النباتات التي يجب عليها العودة للعمل في مزارع ريمر لمعالجة أمراض العنب والتفاح إلا ان «الحب يأخذنا إلى أبعد مما يجدر بنا التوقف عنده» وبهذا بدت الأناقة الروائية مأخوذة بكرز حمانا لإجراء التجارب والقضاء على الحشرة، وبلوغ ذروة الحب في عوالم نباتية غير مشكوك فيها، وبطبيعة الحال فقد تمكن «نزار عبدالستار» من إثارة اهتمام القارئ اللبناني من خلال الاستكشاف المزدوج في سرد حسي لواقع ذي تصوّر فنتازي يكتنفه غموض الحشرة التي تعالجها أو تحاول القضاء عليها ربى لانها تعتبر ان الحشرات هي جند الإصلاح والتوازن، وان القسوة في الطبيعة من أجل التوازن، فهل الشر قوى دافعة نحو حرب البقاء؟

تتقاطع التفاصيل الروائية بين السياسة والحب والاقتصاد وأهمية الزراعة للسوق الاقتصادية، إذ تشهد الأحداث بالفعل على محاربة الحشرة التي تنطوي قدراتها على الفتك بشجرات الكرز في جنينة توفيق، وبالتالي القضاء على مهرجان الكرز التراثي من منظور واقعي ساحر ومدهش لا يتعارض مع الفكرة التي أظهرت الكثير من أهمية نهر أدونيس، والفترات الفاصلة بين الواقع المادي والآخر المتخيّل، والتي تتيح لنا رصد الطفرة السردية الخاصة بتفاصيل العلاقة الغرامية وتطوراتها، والمستمدّة جمالياتها من جمالية المكان التي حدثت فيها كل هذه الاختلاطات التي تبعدنا وتقرّبنا من لب المشكلة، وهي علاقة المرأة الأربعينية بالرجل الخمسيني والخوف من جفاف الحب كما الخوف من محاربة الحشرة، وبشكل سردي غير قابل للاختزال وبثقل حواري ديناميكي كله بإيقاع لغة سريعة تخدم شخصيات الرواية، العراقي منها واللبناني وصولا الى طرابلس، وبإلتئام فني تسوده العاطفة القوية والعقلانية المسيطرة بوعي تسوده الكثير من التساؤلات في النهاية التي جاءت كالاستيقاظ من الحلم في جنينة توفيق لبطل الرواية الرئيسي الذي قال «أحببت لبنان لأنه بلد بلا صحراء، وبيت للحياة»، فهل الواقع الحقيقي لشجرة الكرز في لبنان هو رواية «مسيو داك» لنزار عبدالستار؟