إنضمت سيّدة الشاشتين العربيتين فاتن حمامة منذ أيام إلى مجموعة كبيرة من الفنانين الخالدين الذين أثروا آذاننا ومآقينا بأروع الأغاني والأفلام، والموجودة تماثيل لهم في الباحة الرئيسية لدار الأوبرا المصرية التي تحوّلت في تسميتها الى: هيئة المركز الثقافي القومي.
السيدة «فاتن» باتت مع الثلاثة الكبار: محمّد عبد الوهاب، أم كلثوم، وفريد الأطرش، ومن المصادفة الرائعة أن الأربعة طبعوا الشاشة العربية الكبيرة بعشرات من الأفلام الخالدة ليس الغنائية وحدها، بل والكلاسيكية الدرامية والميلودرامية، في وقت تحسب «فاتن» على اللواتي أسهمن في الأفلام الغنائية والإستعراضية أكبر وأهم الأسماء التي خلدناها وأحببناها وقدرناها.
اللافت أن تمثال «فاتن» أنجزه عصام درويش النحات المعروف بتكليف من زوج الراحلة الدكتور محمّد عبد الوهاب والذي توفاه الله مؤخراً، يعني أنه هو من صرف على التمثال وليس دار الأوبرا، والحال إياها حصلت مع الموسيقار فريد عندما موّلت جمعية محبيه إقامة تمثال له وهو يحمل عوده. والتماثيل الأربعة بالحجم الكبير متساوية في حجمها لكي تتآلف بين بعضها البعض، ومع أجواء المكان معمارياً، يضاف إليها خامس لأمير الشعراء أحمد شوقي.
يضاف إلى ذلك، تماثيل أصغر ولوحات وضعت في المكاتب والقاعات الداخلية لعدد كبير من فناني الزمن الجميل الماضي أمثال: عبد الوهاب (أيضاً) سيد درويش، نجيب محفوظ، وهي نماذج صُنعت في مصر وتم صبها في إيطاليا لكي تكون شاهدة على تقدير ناس اليوم لكبار الأمس الذين أعطوا المثال الناصع في الإبتكار والإبداع، تمثيلاً وغناء.
في لبنان هناك حالة مماثلة ولكن في مبنى جامعي، المبنى الرحب لـ (Aust) في منطقة الأشرفية، حيث وضعت تماثيل نصفية لعدد من الكبار (الشاعر سعيد عقل، مايكل دبغي وغيرهما) والغاية دائماً طرح أمثولات راقية، مهمة، نخبوية يقتدي بها الشباب جيلاً بعد جيل... نعم نريد القدوة الحسنة لا أكثر ولا أقل.
وما دام الحديث عن دار الأوبرا الشاسع والمميز والذي يتضمن صالات وخشبات عرض وقاعات رحبة المساحة، فإن هذه المرجعية الثقافية المهمة وراءها منحة يابانية (هيئة التعاون العالمية اليابانية «Jica») التي صرفت ميزانية كاملة أنجزت هذه الدار عام 1988، بعدما كان الخديوي إسماعيل بنى داراً للاحتفال بإفتتاح قناة السويس، من تصميم الإيطاليين: «أفوسكاني»، و«روس»، وقد إحترقت (قيل إنه حادث مفتعل) عام 1971.
والذي علينا الإشارة إليه هو مدى الحاجة لوجود صروح ثقافية على هذا المستوى في أقطارنا العربية. فعندما نقول بما هو في القاهرة، فإننا نثمن ما أقدمت عليه تونس مؤخراً حين إفتتحت مدينة ضخمة للثقافة تتوفر فيها المواصفات التي سبق وعرضنا لها في القاهرة، وهو ما جعل أيام قرطاج السينمائية تستغل هذا المكان المميز لكي تقيم فعاليات الدورة الأخيرة التي أقيمت أواسط العام المنصرم.
كما أننا لا ننسى مدينة الإعلام في القاهرة، ورديفتها في «دبي» بما يعني توجهاً عربياً متواصلاً لمواكبة التقدم الحضاري والتقني في العالم في مجال الأعمال التلفزيونية والسينمائية والإعلامية عموماً، بما يسهل التعاون مع كل الأحداث والتطورات بأسلوب فني ومهني راق.
إننا نسعد كلما واكبنا مشروعاً ثقافياً يولد في قطر عربي، بديلاً من الصروح العالية كمبان حجرية وتجارية... نريد بكل بساطة أرضاً صالحة لنمو الثقافة، وتصاعد الحالة الإبداعية التي تقول للأجيال كلها إن هناك تخطيطاً ما يرسم لجعلكم في مصاف الشعوب المنتجة للفكر والعطاء الذهني عى أرفع مستوى.
دار القاهرة تحتضن الكبار واحداً تلو الآخر.
الدور الأخرى في أقطارنا ليتها تتحوّل إلى ميادين رحبة، تولد فيها الأفكار وتتلاقح لكي تثمر جانباً مهماً من الحياة وهو الثقافة بكل متفرعاتها، ولن يعيش بعد ذلك سواها لكي يخبر عن تاريخنا، وعطاءاتنا وقيمنا، وستندثر كل المنابر والمواضيع الأخرى.