بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آذار 2019 11:23ص «فك الحرف» والأمّيّة الثقافية

حجم الخط
قبل العام 1960 كان تعريف الأمية أنّه عجز المرء عن كتابة وقراءة اسمه، في فترة كانت معظم دول آسيا وإفريقيا ومنها الدول العربية، خارجة من الحكم الأجنبي الذي كاد يقضي على اللغة الأم. ولذلك انتشرت المدارس في كافة مراحلها كما تراجعت نسبة الأمية في أوساط أغلبية الشعوب العربية إلى حيّز تراوح من بلد لآخر بين 10 إلى 30 بالمئة. ومنذ 1980، أعادت الأونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم) تعريف الأمية بشكل أوسع بحيث أصبحت عدم المقدرة على القراءة والكتابة. ويومها فاز العراق بجائزة أسرع بلد حقّق محو الأمية في فترة زمنية وجيزة بفضل برامج للأميين في أنحاء البلاد، وفاز بجائزة الأونيسكو عام 1982.
 
ووفق تعريف الأونيسكو، فنحن نعلم أنّ الأميّة هي عدم القراءة والكتابة، وهي لا تزال منتشرة في العديد من البلدان، لا بل أنّ نسبة الأميين قد عادت إلى الارتفاع في عدد كبير من البلدان العربية بعدما كانت قد انحسرت كثيراً. فهي أسوأ من السابق في مصر والعراق وسورية واليمن والمغرب. وعادت الأمية مشكلة من المشكلات الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات والاقتصاديات وتقف حائلا دون التقدم والنهوض في مختلف المجالات.
 
كل هذا ونحن كعرب لا ندري أنّ الزمن قد تجاوز تعريف الأونيسكو للعام 1980ـ وأصبحنا في عصر لا يعترف بشخص يقرأ ويكتب أنّه أصبح غير أمي. يفاجئكم هذا الكلام؟ إذن إقرأوا معي.
 
أصبح تعريف الأمية متشعباً من أمية عدم فك الحرف وتهجئة الإسم عام 1960، إلى أمية عدم القراءة والكتابة عام 1980، لنصل اليوم إلى أمية عدم إتقان الوظيفة وأمية المعلوماتية ووسائل التواصل الإجتماعي (سوشال ميديا).
 
وقليلون يدركو أنّ كل تلك الأصناف لا قيمة لها أمام الأمية الثقافية، وهي عدم حصول الشخص على الثقافة المتأتية من القراءة ودرس العلوم الإنسانية ومتابعة الفنون على أنواعها، ما يجعل منه شخصاً مثقفاً وواعياً. ومفهوم «الأمية الثقافية» انتشر في الاونة الاخيرة بشكل غير مسبوق في دول الغرب، حيث يعاب على أي شخص متعلم وحائز على الشهادات العليا أنّه يفتقر للوعي بالواقع المحيط به وتعوزه النظرة الابداعية إلى الحياة والكون.
 
نجد حولنا في لبنان والدول العربية أناساً وعددهم ليس بقليل، من بين الحاصلين على شهادات جامعية ولكن غير ملمين بأولوليات المعرفة والثقافة، إضافة إلى السطحية الشديدة في معلوماتهم العامة، حتى تكاد معلوماتهم تقتصر على نطاق عملهم المهني فقط ولا تخرج عنه (طبيب – مهندس – محامي – الخ). فإذا خرج الحديث إلى مواقع لا تتعلق بمجال تخصصه، ولكنها ذات عمق ولو بسيط، تجد هذا الشخص عاجزاً عن توفير اجابة أو رأي.
 
حتى لو كنا حقاً نعيش عصر التخصصات بل وفي أدق التخصصات، هذا لا يمنع من سعي الفرد للإلمام بمواضيع الثقافة خارج اختصاصه. فيتابع أحداث العالم وتطوراته في الأدب والموسيقى والرسم والسينما، إضافة إلى الأحداث السياسية والاقتصادية.
 
نشاهد دوماً أنّ البشر في المجتمعات الغربية منشغلون بقراءة الكتب والتهامهم اياها مقارنة بالفرد العربي وعزوفه عن الكتاب. وهذا يجعلنا في موقف مخزٍ يعود بالكوارث على المجتمع برمته. فحب الثقافة والبحث عن المعرفة لا يحتاج الى مال، والكتب أمست متوفرة سواء الكترونية أو من المكتبات العامة أو حتى لمن معه بعض المال ليشتريها.
 
ولأنّه لا يوجد بلد يتطور حقا ما لم يتم تثقيف مواطنيه، فأنا أقترح أن يكون سؤالكم لمن تحبون لدى مصادفتهم ليس «صباح الخير» بل ما هي الرواية التي تقرأها اليوم أو ما هو آخر فيلم سينما شاهدته؟.