بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 حزيران 2020 12:00ص في أسباب الثورات!

حجم الخط
أحقّ النّاس بالثورة أصحاب الفضيلة من الشرفاء العقلاء، فهناك فئة متفوّقة بمحتدها لا تقنع قط بالمساواة. هنا يكمن أصل الثورات الحقيقية وان اختلفت اتجاهاتها ومظاهرها. فقد ترمي ثورة ما الى إقامة سلطة أو نقضها، أو رفض رقابة جائرة. ثمّة مساواة منشودة على أساس من التعادل في الأهلية أو المساواة في العدد أو في الاستحقاق. أوَليست المساواة نسبية أو جزئية؟

لا شك في ان حكم الشعب عبر ممثليها الحقيقيين هو أرسخ من سواه وأقل عُرضة للثورات من حكم الأقلية. وقد يكون ذلك الحكم الدافع الأساسي لقيام ثورة شعب ما. أما ثورة الشعوب بعضها على بعض كما يحصل أحياناً في إطار «أمّةٍ واحدة»، فهي لا تكون ثورة حقّة بل حروباً أهلية وان هي متستّرَة! هذا واقع مجتمعاتنا المشرقية مثلاً، حيث تعدّدت الأديان والوظائف والملل، وتضاربت المشارب، وتطاحنت المصالح، واستغلّ كل ذوو المطامع والأغراض من مداهني الشعب ومضلّليه، وأهل الشغب والفتن المدسوسين والمرتزقة على العموم، حالة ما لمزيد من التهافت والشذوذ.

سعى النّاس، في بلاد النّاس، إلى الكسب والشرف على السواء وتمادى بينهم مَن تمادى في صلفه، وخاف بعضهم وشعر بالدونية والاستكبار والاستصغار، والتهاون في الصغائر والكبائر على السواء. أما في مجتمعاتنا، فللارتهانات الخارجية دور بالغ يجعل الثورات وحتى السبيل إلى البحث فيها من قبيل الوهم القاتل يثور أهل الظلم والسفه، بدافع من الخوف، دفعاً لما قد ينالهم من عقاب.

وهنا أدنى درجات الثورات. اما أولئك الذين يخشون، بفكرهم أن يلحق بهم مزيد من الجور، فثوراتهم حقيقية لأنهم يسعون لتلافي وقوع الأذى والضيم، يثورون على التمادي في ازدرائهم.

قد تتبدّل سياسات الأمم شطر الأفضل، في معزل عن كل ثورة، بسبب الدسائس والاستهتار والتهاون في صغائر الأمور. إلا أن انقلاب أجانب ساكنونا أو طرّاء ونزلاء عاشوا بين أظهرهم لا يتجلّى ثورة بحصر المعنى بل تمرُّداً. تثور أمم على أمم في إطار من اختلاف في فلسفة الجوهر والوجود تشعر به شعوب بالنسبة إلى شعوب أخرى في وطن مع ما يترتب عن ذلك من تدابير عملية وأهداف وطنية وإنسانية نبيلة، فقد يثور شعب فاضل أصيل على شعب سافل فاجر أو تنشأ ثورة بين الفقر والغنى أو بين الجهل والمعرفة أو بين الشيوعية والرأسمالية وهكذا..

الثورات لا ترمي إلى صغائر الأمور بل تنشأ عن دقائق الأمور. أما المشاغبات الصغيرة، فشأن الخلافات فيها أن تستحيل مزيداً من الحدة والتفاقم. هذا ما نطلق عليه أحياناً تسمية فتنة، ما لم تتجلَّ هذه الحادثة أو تلك بمثابة قشة قصمت ظهر البعير!

قد تحصل الثورات بالعنف الذي يختلف عن الارهاب - الفكري أولاً هو أيضاً - وقد تعمد إلى شتى ضروب الحيلة والمخادعة! الثورة تفعيل ثقافة جديدة تبنيها نخبة مفكرين مع أناس قائمين عليها، وإذا تجلّى إيمانهم متأصلاً حيّاً، فإنه يتمثّلها على أفضل وجه وأنبل قصد. فمن لها في دنيا العرب؟



أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه