بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيلول 2017 08:40ص قراءة في رواية حسن داوود «في أثر غيمة» إما للرضى وإما للخيبة

حجم الخط

يوقظ الروائي «حسن داوود» في روايته في اثر غيمة الصادرة عن «دار الساقي» الحس الانساني الهادف الى اكتشاف الذات من خلال العلاقات المتشابكة بين شخوصه الروائية في رحلة تهدف الى خلق اكتشافات اجتماعية تؤثر على التطلعات الحياتية التي ترتبط بالعمر «فالعلاقات غير المتناسبة قد تكون اكثر بكثير من تلك التي يكون فيها الطرفان متعادلين ومتساويين» بتعبير روائي فني يميل الى اظهار الازمات النفسية التي يتعرض لها الرجل، والى ما يعتريه من مخاوف وهواجس، ومراقبة للتغيرات التي تطرأ عليه جراء التقدم في السن «كنت ارجع ذلك الى بلوغي مرحلة في العمر يضعف فيها التركيز». حيث يستجيب «حسن داوود» لمعطيات النص الروائي. فينساب معه بذاتية وموضوعية في آن. ينفتح معها المشهد نحو رحلة في باخرة من المؤكد. انها ليست التايتنك. الا ان اهمية الصورة في حياة الانسان برزت في المقدمة، وبوصف منح الصورة قيمتها القوية، والمؤثرة اعلاميا من حيث الجمال، ومن حيث الاعلان الذي شده وتأثر به، وجعله يتخذ قرار القيام برحلة بحرية تسبقها رحلة في الطائرة. ليجمع بين رحلات الانسان العمرية من الشباب الى الكهولة، فالشيخوخة التي تخيف بوقائعها الانسان. فهل تختلف العلاقات العاطفية في تطوراتها عند الوصول الى شيخوخة جسدية لا علاقة للروح بها ابداً؟ ام ان «حسن داوود» اراد ان نبحر معه في رحلة افتراضية وهمية، ما هي الا رحلة الاحلام التخيلية التي تبقى في الذاكرة حيث الوحدة ابرز صفاتها النهائية.
علاقة الرجل بالمرأة وما يعتريها من مخاوف تتخذ في ابعادها عدة مسائل اجتماعية يطرحها «حسن داوود» ببساطة روائية بوصفه اي الراوي الكيان المستقل في الرحلة التي تجمع الكثير من الشخوص، بوعي ذهني يخدم به اتجاهات الشخصية واهدافها. اذ تجسد الرحلة حالة العزلة التي يأوي اليها الانسان في مرحلة عمرية تفرض نفسها عليه، وباسلوب يعكس من خلاله دلالاته وايحاءاته التوق السيكولوجي الهادف الى خلق اكتشافات نفسية عميقة، تتعلق بالعاطفة المرتبطة بتشكيل ثنائيات ينقل من خلالها الوقائع والتعبيرات المتخيلة التي تدور حول طبيعة الرحلة واهدافها، من منظور سيكولوجي يساعد في اكتشاف التفاصيل والعناصر الروائية، القائمة على سردية غنية بالحس الفني التصويري المصاحب لمفارقات بين لمى وسالم، حيث تتراءى قيمة الاحلام عبر مستويات الحوار، والخصائص التي استرسل معها « حسن داوود» ليجمع بين منطق الذاتية والموضوعية في رواية لا يمكن تتبع اثرها، لأنها اشبه بالحلم العابر في حياة الانسان.
يكشف الروائي» حسن داوود» في روايته عن قوة اسلوبية، لوصف تحليلي مبني على مراحل وزعها بتأن. ليلقي الضوء على واقع متخيل يستقصي من خلاله حدود النفس في مقاربات تحليلية ذات سمات بارزة في استقصاء، ومتابعة الشخوص عبر خطها المستقيم دون التفاف الى العودة نحو البداية، وكأن الزمن الروائي يسير مع الرحلة. لتستقر تفاصيلها في الذاكرة وتطوراتها المرافقة لاحداث هي امتداد للشخوص الذين التقى بهم بطل القصة، مشيراً الى الاسلوبية الفردية او النفسية التي تحتفظ بالتفاعلات الروائية بين القارىء والكاتب، وكانهما ضمن نقاشات مفتوحة بصمت فكري يؤدي الى اثارة ذهنية تؤدي ادوارها في متابعة الرحلة حتى النهاية، فهل الرحلة البحرية في رواية في اثر غيمة هي من باخرة ام من اجل امراة؟ ام من اجل الغوص في ماهية المشاعر التخيلية بجماليتها وخاصيتها التي تقود الى الحب الذي يبقى طيلة العمر؟
هواجس روائية محشوة برحلة ما بعد الانقطاع عن العمل او رحلة الاستجمام الاخيرة، حيث يجمع فيها سالم من ذكرياته ما يلملمه من الواقع. ومن لحظات جمعها هي لحظات البغض، ولحظات الكراهية، ولحظات التباهي، وما يسيقها من مشاعر تشتد وتسترخي ليصوغ هويات اجتماعية، لكل اثنين ما عدا هو. لينفرد بمشكلة الاكتفاء الذاتي في اعمار كهولية تدل على وهن النفس التي قطعت شوطا كبيرا في الحياة حتى باتت غير قادرة على التأقلم، والمشاركة مع الاخرين. فالصراعات النقسية التي عاشها سالم اسهمت في خلق تصورات اضافية عن المجتمع الذي يحيا به، دون اغفال اهمية وظيفته او ميوله الكتابية وصدق التمثيل الروائي الذي تجسد مع سالم، وهي طريقة تكشف لناعن معادلات تصويرية لمشاهد انطباعية تميل الى اظهار الانقسامات الاجتماعية في القبول والرفض، لموروثات ومفاهيم كثيرة نعيشها، ولا نستطيع الاستغناء عنها، لانها كالخبز اليومي في حياتنا او بالاحرى لا نشعر بها، لانها ضمن الروتين الحياتي لمجتمعاتنا التي ترحل بنا نحو الاحلام او بالاحرى تجبرنا على خلق العوالم التخيلية، كرحلة بحرية قام بها «حسن داوود» باسلوب اشبع رغباته به دون المساس بشخصية سالم، فهل «حسن داوود» استطاع التكييف مع البنية السردية النفسية في هذه الرواية التي تعتمد على تلاحم النسيج الداخلي؟
ضحى عبدالرؤوف المل