بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 آذار 2024 12:00ص محاولة التدمير «الممنهج» الجاري للأسرة اللبنانية، وقِيَمها (4/4)

حجم الخط
د. محمّد شـيّا*

5- إدخال ثقافة الانحلال الجنسي... بالإكراه!
نصل أخيراً وتخصيصاً إلى ما أدهى من ذلك كلّه:
من جديد، الطريق الأقصر إلى ذلك كان مزدوجاً:
استغلال الضائقة المالية الخانقة التي تتحكم بحياة اللبنانيين، من جهة، وتدمير العائلة في لبنان الحصن الأخير أمام انحراف الأفراد وشذوذهم في ما خصّ الحياة الجنسية والزواج عمّا هو طبيعي وشرعي في أخلاقنا وثقافتنا ومجتمعنا.
فتحت زعم المساعدة المالية، تقوم سفارات غربية وجهات دولية مشبوهة بتمويل سخيّ لكل الجمعيات («ميم عين»، وسواها) التي تأخذ على عاتقها علانية العمل على إزالة العوائق القانونية أمام حركة الشاذّين والمنحرفين وما شابه، فتسمح بتجمعهم وتحوّلهم إلى النشاط العلني. وكانت مع الأسف بعض فعاليات انتفاضة 17 تشرين مناسبة سمحت لتجمعات مشبوهة بالظهور العلني!
وبين آخر الأنشطة المشبوهة تلك ما دعت إليه «الدولية للتربية» بإقامة ورشة تدريب في أحد فنادق بيروت «لتقبّل المدرسين المثليين في المدارس اللبنانية». وكافأت المنظمة كل رابطة حضرت بمبلغ 800 دولار، و40 دولارا لكل فرد حضر الورشة.
كذلك أمكن لهؤلاء، بالضغط المادي والمعنوي، الوصول إلى بعض غاياتهم بإجبار قضاة ومحاكم (محكمة المتن، 31-1-2017) على إصدار أحكام قضت بعدم اعتبار المثلية الجنسية والتحول الجنسي جرائم جزائية وإنما حقوق طبيعية. إنّ مراجعة بسيطة لميزانيات الجمعيات العاملة على تشريع الانحراف والشذوذ الجنسي في بلادنا تظهر أنّ ملايين الدولارات تصرف لها من منظمات مشبوهة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبسبب من الطمع والفساد نفسه، (على الأرجح) انضمّ حزب لبناني (...) إلى حملة «مناهضة أفعال الكراهية ضد المثليين». وبسببٍ من الإغراء المادي نفسه (على الأرجح) انضمّ قبل فترة قصيرة كذلك بعض النواب في البرلمان اللبناني إلى الحملة المنظمة المدعومة (بل المطلوبة) من الخارج الرامية إلى الدفاع عن حقوق المثليين والشاذّين جنسياً.
واستجابة للضغوط المختلفة المصادر، اشتركت «الجمعية اللبنانية للطب النفسي» في حملة الضغط تلك (وهل تستطيع غير ذلك؟) فأصدرت في وقت مبكر (11 تموز 2013) تقريراً طلبت فيه التوقف عن اعتبار المثلية مرضاً يتطلب العلاج». وكان لبنان بذلك أول دولة عربية تتوقف عن اعتبار المثلية مرضاً!
وكان آخر ما يُستغرب حقاً أن يكسر مجلس شورى الدولة في حزيران 2022 قرار وزير الداخلية القاضي مولوي» الشجاع اعتبار تجمع المثليين بناء لدعوة من «ميم» و«المفكرة القانونية» تجمعاً غير شرعي». 
أخيراً، لم تتورع الأمم المتحدة نفسها (وبسبب من التمويل المشبوه نفسه)عن إصدار بيان علني في 17 آيار 2021 يدعو إلى «مناهضة أفعال الكراهية ضد المثلية الجنسية» وضمان حماية الجماعات تلك.
غضُ النظرِ الرسمي ذاك، جعل بيروت – كما يقال في غياب الوثائق – ربما ثالث وجهة سياحة مطلوبة للمثليين على مستوى العالم! بل شجّع هؤلاء على إصدار مجلاّت ومنشورات  إلكترونية وإقامة تجمعات ومعارض علنية («فخر لبنان» - يا للعار) وسمح لهم بالمشاركة العلنية في انتفاضة 17 تشرين، وكان خطأ كبيراً ينضاف إلى أخطاء الانتفاضة الكثيرة.
وبعض الإعلام فتح الهواء والصورة لهؤلاء ليستخدموا في واحدة من إطلالاتهم مصطلحاً بل مطلباً في منتهى الوقاحة لغةً قبل المضمون، إذ طالبوا: «أن تكون منازل الشركاء المثليين، ومنازل الأزواج المغايرين «على السويّة نفسها لجهة المعاملة القانونية والخدمات»! تخيّلوا مبلغ الوقاحة: المطلوب نفي أي فارق بين الزواج الطبيعي الشرعي وأنواع أخرى نخجل من تسميتها! الفارق يجب أن يكون عادياً جداً بين زواج مناف للطبيعة، شاذ، أحد أشكال الرذيلة؛ وبين زواج طبيعي شرعي موثّق بالأنظمة الدّينية والاجتماعية! هو فقط حسب زعم هؤلاء الوقحين «زواج مغايرين»! بل بلغت الوقاحة تسمية الوالدين Parent 1  وParent 2.
أما آخر مظاهر محاولة تبرير وتسويغ انتهاكات القانون دفاع بعض وسائل الإعلام ومثقفين عن عرض فيلم «باربي» قبل فترة، الذي يناقش مشكلة المثلية عند الأطفال، والهوية الجينية للطفل، كأنما أطفالنا لا مشاكل (تربوية وأمنية واجتماعية) لديهم غير المثلية!
ما العمل، وما المطلوب دون إبطاء؟
في مقابل إنحراف كثير من المسؤولين وحتى النواب، وبعض الإعلام، عن جادة الصواب، ننوّه هنا بالموقف العلمي والأخلاقي الشجاع لمعالي وزير الثقافة، القاضي مرتضى، ومعالي وزير الداخلية القاضي المولوي. فشكراً.
ولكن ماذا عن مواقف الآخرين؟
ماذا عن ردود أفعال سواد اللبنانيين الأعظم على حملة الضغط الشرسة من الجماعات المثلية ومحاميها؟ 
هناك لا مبالاة رسمية تكاد لا تصدّق، بل هي أقرب إلى الموافقة، لولا أن اخترقها بعض الوزراء والنواب الشجعان، إضافة لمواقف معظم المرجعيات الدينية الحاسمة حيال هذا الاختراق الخطير. 
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي مقابل اللامبالاة الرسمية تولّت المرجعيّات الدينية اللبنانيّة التنديد العلني بالنشاط المحموم للمثليين في بيروت، صدرت مواقف علنية رسمية ة من مشيخة عقل الموحدين الدروز ودار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كما المرجعيات الدينية المسيحية، منددة بمحاولة الاختراق الجارية، ومحذرة من أي تعديل في قوانين الأحوال الشخصية بهدف تشريع أفعال الشذوذ والانحراف الجنسي. ومطلب المرجعيات ومعها كل اللبنانيين (السويّين) التمسك بالتطبيق الدقيق للقانون (وبخاصة المادة 534) التي تحظر هذا الشكل من العلاقة المضادة للطبيعة.
وتبقى مهمة التصدي للأفعال الشاذة تلك، «المخالفة للطبيعة»، (وفق القانون، كما وفق بيان البطريركية المارونية)، واجب جميع اللبنانيين المدركين مخاطر المثلية وسائر أشكال الشذوذ الجنسي على مجتمعنا، وعائلاتنا؛ وعلينا كبشر، إذا كنا لا نريد حقاً الهبوط إلى مستوى الحيوان، الذي لا يرضى بعض أنواعه العليا بالشذوذ الجنسي! حتى الحيوان نفسه لا يرتضي الإخلال بنظام الطبيعة.
إلى ذلك، يتصدّى اللبنانيون يومياً، بالمقالات والبيانات والتجمعات، لنشاط أصحاب الشذوذ أولئك، ولا يتوانون عن إظهار فضائحهم وخطورتهم في آن معاً.
كذلك تصدّى اللبنانيون السويّون للمحاولة المجرمة تلك بوسائل عدة. 
اخترت من مظاهر التصدي الإعلامي لا النجوم الاعلاميين الذين لم يرتفع اعتراضهم إلى المستوى المطلوب، اخترت مقاطع من مقالة للكاتبة ألسي خوري في 2 آب 2023، تحت عنوان «لا للعبث بهوية أطفالنا. نرفض تشريع المثلية الجنسية في لبنان».
رأت الكاتبة أنّ مخاطر الشذوذ الجنسي صارت على الأبواب في لبنان، من المثلية الجنسية والتحول الجنسي إلى التلاعب  بتسجيل جنس المولود. وهي ترى أنّ التطور ذاك هو تدمير ل«قدسية العائلة»، وأنّها حرب شرسة على اللبنانيين وقيمهم تريد أن تفرض على اللبنانيين بالإغراء المالي والتهويل الإعلامي ما لم تستطع الحرب العسكرية فرضها عليهم، من تفكيك للعائلة وللقيم التي يؤمن بها اللبنانيون. تضيف الكاتبة: «تتسلح هذه الحرب المشينة ضد المجتمع والقيم بالإعلام المرئي والمسموع والمكتوب لتضلّل أولادنا، هو هجوم مسلّح على فلذات أكبادنا لقلب المجتمع وتغيير القوانين». وتضيف: «الوقاحة في هذا الموضوع وصلت إلى حد تخييرنا بالمطالبة بحقوق أولادنا بعدم شطب كلمة أب وأم عن الهوية واستبدالها بـparent 1 وparent 2، وحتى العبث بتعريف الذكر والأنثى».
إنها حرب أخلاقية، تقول الكاتبة، «لتغيير أفكار أولادنا وهويتنا وثقافتنا وإيماننا وسط سكوت تام من الجهات المعنية».

تضيف: «لا لن نجعل من الباطل دستور حياتنا، وسندافع عن قيمنا ومبادئنا مهما كلّف الأمر... إذا لم تستحِ فافعل ما شئت، وإذا فعلت فلن تستطيع المجاهرة به علناً أمام أولادنا... إنّ الله أنزل العقاب عبر التاريخ بقومٍ آتوا الفاحشة حتى أبادهم عن بكرة أبيهم، وهو يُمهلُ ولا يهمل».
وتختم ألسي خوري: «انتبهوا لأولادكم على هواتفهم، أولادنا بخطر».
لا حاجة لأية إضافة إلى صرخة الأم تلك، المرتعبة بحق من شبح المخاطر التي يمثله ممارسو الشذوذ الجنسي (على أنواعه) ودعاته، ومحاموهم المرتشون، على عائلات اللبنانيين ومستقبل أولادهم.
إنّ عدم التساهل، بأي شكل من الأشكال، مع الممارسات والدعوات المشينة تلك هو حق اللبنانيين وواجبهم في آن معاً، ولا حلول وسط في المسألة هذه. فإمّا نكون مع كل ما هو طبيعي وحق وشرعي في وضوح الشمس، أو نكون مع ما هو خطأ وباطل وضلال وحرام وارتكاب الفاحشة.

* عميد سابق لمعهد العلوم الاجتماعية