بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الأول 2018 12:03ص محمّد بديع سربيه في ذكراه الـ 24.. عطرك ما زال فوّاحاً

مع العائلة في شاليه فاتن حمامة مع عبد الحليم حافظ وناديا ذو الفقار مع العائلة في شاليه فاتن حمامة مع عبد الحليم حافظ وناديا ذو الفقار
حجم الخط
هو واحد من أشهر الصحافيين اللبنانيين والعرب، الذين غمسوا ريشتهم في صميم الأشياء يرسم لوحات حقيقية عبر مؤسسته الإعلامية عن الواقع الذي يراه والمستقبل الذي يحلم به.
وهو واحد من أشهر الذين يختارون بذكاء الموضوع الذي يكتبون فيه والموضوع الذي يتجاهلونه.
يرقد المعلم محمّد بديع سربيه هناك... هو الذي لم يرقد أبداً... هنا عند الحياة والحلم والعمل.
يذهب محمّد بديع سربيه إلى الأصدقاء (عفيف الطيبي، وفيق الطيبي، ورياض طه) إلى صحبة الجيل الحزين الذين انفجرت قلوبهم في زمن الهزيمة... والانفتاح وانفلات النفوس...
زمن غياب العقل وازدراء الفكر والعلم واتهام الصحافيين الشرفاء بالردة.. وذكراه اليوم تشدنا شداً نحو الحزن والشجن.
محمّد بديع سربيه.. قلب الوردة..
وهو صاحب التاريخ الطويل مع الصبر والأمل و... الألم؟! والتفاؤل والقدرة الفائقة على تحويل الهزائم إلى انتصارات و... الظلام الحالك إلى شعاع ساطع..
هيا بنا نفتش عن الوجه الآخر للمعلم في ذكراه (الـ 24) داخل أعماق هذا الإنسان النبيل ولو في إجابات صغيرة في مساحتها... كبيرة في معانيها من جانبه..
حياته قصة كفاح في أسمى معانيها، وطريقه كان أصعب الطرق وأكثرها مشقة، لكنه سار عليها راضياً في سبيل الهدف الأسمى، ومنذ بداية رحلته مع الصحافة، حدّد محمّد بديع سربيه لنفسه هدفاً ظل طوال حياته يحرص على أن يمتلك القوة والإرادة للوصول إليه.
إنه عندي أسطورة وإرادة جبارة... وعلى ضفاف الوفاء بيروت... ولدته صحافياً موهوباً وفي حضرتها كانت مرحلة الخصب.
ذاق الظلم وعرف مرارته، وكان يردد أمام رفيقة دربه: «لا بدّ وان تمطر السماء عدلاً وانصافاً، فالظالم عمره قصير.
ويضيف «المعلم»: يد الله وحدها هي التي تضمد الجروح وتمسح الدموع وتشرق الشمس...
محمّد بديع سربيه..
حنين بدأنا نسمع صداه بعد غيابه الذي سيطول..
هذا الصدى هو رفيقة عمره وزهرات فلذات أكبادها..
مادته الغزيرة في «كل شيء» و«الموعد»، سليقته (الأدبية الصحفية) حرارة ريشته، تدفق معلوماته، جعلت منه نسيج وحده.
التاريخ يصنعه العقلاء جداً ويصنعه المغامرون جداً.
لذلك يسجل التاريخ أسماء رجالها، بعضهم على (الصحائف البيضاء) وبعضهم على (الصحائف الأخرى).
هو من جيل لم يغرف من بحر؟.
بل نحت طريقه في الصخر.. وشق طموحه بين الحجر و(...) شظايا الزجاج!؟ على مدى نصف قرن من الزمن، حتى وصل إلى (مجد الكلمة) ورائد العمل الصحفي. وضمدت الجراح بالكتابة؟!.
وهو واحد من الأسماء القليلة التي يملك أصحابها القدرة على الاتصال الحميم بالقارئ، فكتاباته تشكّل وتقتحم في الوقت نفسه، وبقدر ما كنت استمتع باستقبال أفكاره بقدر ما تشعر بحماسنا للتفاعل معه، من نهر الحبر العطر تدفقت كلماته، ونور المعرفة سطعت على مر الأجيال والعقود.
انه الوهج الذي أستعرته من زحل. وقد جذبت الألمعية من غدائرها، فلا يزال بين أصابعك من شعرها خصل، وبعدك توقفت الحقيقة عن النشر، كما يليق بالمغاوير.
مع كل تشرين آت
آه من تشرين 
لو تخجل «الكذبة»
يوماً واحداً، لكن أكبر كذبة أخترعها الإنسان، هي الحقيقة..
اثنان لا يموتان... البطل والوفاء... وانت أيها البديع كنت البطل وكنت الوفاء والايفاء، حتى في غيابك الموجع و«عطرك» ما زال فواحاً، وقصة نجاح على بساط المحبة بعدما تحمل تبعة الرسالة في شجاعة العارفين وترك للأجيال الصحافية ذخائر لا يجحدها إلا مكابر، وطاقة نور في النفق المعتم... ولا شيء يبقى سوى افكاره وآرائه في السياسة، والثقافة، ومقالاته تجسّد حياة قاسية لرجل اختار أن يسبح دائماً عكس التيارات، فكان الصحافي الشجاع والدور والتاريخ، ولانه كان يؤمن بان للحرية صوتها الخاص ورجالها المخلصين فتجد المعرفة أعطي له وجسده لن يفنى بالموت... وإنما سيدخل في حياة جديدة بعدما صاغ لنفسه أسلوباً سهلاً يجمع بين الحرارة الوجدانية والتأثير عبر مقالاته وافتتاحياته فجاءت حروفه سراجاً يوضع فوق الجبل الأشم الذي لا ينكسر؟
في ذكرى المعلم محمّد بديع سربيه، هي مناسبة جديرة بوقفة للتأمل فيها يراجع تلامذته ما بقي من هذا الصحافي العملاق للتاريخ.
طبيعي أن يكون ما بقي من فقيد الصحافة، كانت صناعته الكلمة، مواقفه وأعماله، فأما المواقف الوطنية فقد حفلت بها حياته، وأما مقالاته فقد سجلتها كتاباته... فرصدت العديد من مواقفه، سواء في حياته أو بعد رحيله.
ولانه كان يؤمن بان الكاتب الحقيقي عليه ان يكون في (قلب الحدث)، الفارس النبيل ترجل في تشرين فارس التسامح والمحبة والتسامي والنبل.
فارس المبادرة إلى الغفران، وصاياه «محفورة» على صدري في وقت كان السكوت من ذهب... والكلام من شوك، فضل «معلمي» أن يمشي على الشوك حافياً على ان يضع الذهب في فمه وجيبه..
ورحل عن الدنيا متفائلاً
انه واحد من النجوم الملتبسة التي تنطفئ في الليل وتضيء في النهار..
ليست هذه دمعة على الإنسان النبيل محمّد بديع سربيه.
الدموع لا تسترجع فقيداً، إنما هي كلمة حق في الرجل الذي أحب النّاس أكثر مما أحب نفسه وتعذب في (شارع الصحافة) أكثر وأقام - صرحاً عملاقاً - مثله سيظل يحمل أسمه إلى الأبد.
الذين أحبوا محمّد بديع سربيه يفتقدونه اليوم كثيراً... أكثر مما يبكون عليه لأنه لم يكن يحب البكاء فوق رؤوس الأحياء..
بعد محمّد بديع سربيه وأمثاله توقفت الحقيقة عن النشر..
الذين أحبوه يسألون.. ما عساه يكتب والحال ما هي عليه اليوم..
حتماً لو كان حياً لما جبن..
ولكتب كعادته أسبوعياً «كل شيء» ولكان قد مات من جديد. وودعناه من حنايا القلب..
لم يبق من العمر الا ذكراك... فكنت لنا بحراً زاخراً بالعطاء، ومست عواطفهم، وعزفت على أدق مشاعرهم الإنسانية.
سلام على ترابك!..