مسرح جديد إفتتح في بيروت.
خسئت الحرب، خسئ الفاسدون، خسئ كارهو الوطن وأعداؤه، هذه هي صورة لبنان الحقيقية، هذه هي صورة بيروت التي لم نر أجمل منها بين المدن.
مسرح البولفارد (Theatre du boulevard) مسرح ثقافي فني حضاري حديث، إفتتح يوم السبت في 12 كانون الثاني/يناير الجاري، وكانت مفاجأتنا مضاعفة، وكدنا لا نصدق: أولاً هذا الصرح بنته بلدية الشياح من ميزانيتها الخاصة، ثانياً تمّ تجهيز المسرح بـ 500 مقعد وثير، مع معدات تقنية فائقة الحداثة لكي تكون جاهزة لمواكبة أي أعمال فيها حساسية خاصة في الصوت، ثالثاً إعتقدنا طوال الوقت أننا في كازينو لبنان، وليس في مسرح بيروتي رحب، ينشرح له القلب، وقد واكبت إفتتاحه برمجة تنظيمية راقية،
الإفتتاح كان موسيقياً رائعاً، مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية الفيلهارموني وقادتها المايسترا جوانا مدور ناشف (إبنة المهندس ميشال مدور الذي استحدث ساعة الزهور الشهيرة أمام نصب الشهداء في البرج - وسط بيروت) جاءت خصيصاً من لوس أنجلوس للمشاركة في هذا الحدث الكبير والمميز، الذي عزف فيه جورج طمب (27 عاماً) على البيانو فأثبت لنا أن لبنان يكسب مع موهبته طاقة إبداعية موسيقية جديدة نستطيع الرهان عليها في الداخل والخارج، وقد آنستنا المقطوعة الثنائية التي عزف فيها طمب، مع عازفة التشيللو الهنغارية نوامي بوروكا تيتازي (32 عاماً) لقد كان حديثاً موسيقياً جميلاً عميقاً فطرياً معبراً جذب أسماع الجميع وحظي بإعجابهم، أما «طمب» الذي شارك في أكثر من معزوفة ضمن برنامج الحفل فقذ أثبت أنه سيّد آلته، وقادر على التكيف معها ببساطة، وحرفة، وقدرة على الدخول مع زملائه في الأوركسترا الفيلهارموني في إنسجام كامل ومؤثر.
الأوركسترا ضمّت 62 عازفاً وتميزت فيها المايسترا الدكتورة «جوانا» التي بدت قوية، حاسمة، ملاحظة واحدة عليها، ملاحظة غير فنية، لم نجد سواها طوال الحفل الرائع والجاذب، إنه فستانها الأحمر الذي ارتدته بعد وقت قصير على بدء الحفل فكان نافراً جداً، وغير ملائم إطلاقاً لمناخ الحفل، والملابس الرسمية السوداء لجميع العازفين وحتى لجميع الحضور.
ويحق لعازفي الأوركسترا الفيلهارموني اللبنانية تهنئة خاصة على ما يبذلونه في الحفلات التي تقام في كنيسة مونو، أو في العديد من الاحتفالات المختلفة، فالمستوى رائع وفوق العادي، والتنويع في القيادة يعتبر عنصر ثراء لها، ومعها تتعزّز صورة الموسيقى في مجتمعنا اللبناني خصوصاً والعربي عموماً، بعدما عرفنا تاريخاً طويلاً كنا فيه شعب غناء وليس موسيقى، وهو أمر يتبدل جذرياً هذه الأيام، سواء مع حفلات مهرجان البستان على مدى أكثر من ربع قرن، أو من خلال ما يبدعه الرائع مارسيل خليفة خصوصاً في آخر عملين له مع عبير نعمة، وأميمة الخليل وكورال الفيحاء، أو من خلال الفرق التي تعزف عندنا من وقت لآخر، وآخرها أوركسترا فيينا في كنيسة مونو.
أما عن المسرح فالكلام لا ينتهي أبداً.
ففي وقت تتنازع الوطن سياسات عبثية لامبالية بأحوال المواطنين ومستقبل العيش المشترك، نجد أن هناك من يفكر ببناء مسرح، السيّد غاريوس رئيس بلدية الشياح يستحق وساماً وتمثالاً، خصوصاً عندما أعلن أن المسرح بني وجهز بمال وميزانية البلدية. ما أروع هذا الكلام، يعني عندما تقرر البلديات إستغلال ميزانياتها بشفافية وصدق تكون النتائج بالغة الإيجابية، ولا حاجة بعدها لطلبات إضافية تتعلق بمشاريع خاصة، وربما لا يكون بينها صروح ثقافية.
أدهشتنا فخامة المكان وتجهيزاته وكل ما فيه.
هذا يعني أن الثقافة تحتاج لمن يحبها، ويتبناها، ويرفدها بل ما يستطيع لكي تأخذ حقها من الاهتمام في بلد الحرب والكتاب والحضارة، ولن تقوم له قائمة إلا متى عرفنا أن أسسه راسخة في الثقافة، ومن خلالها كان لنا مكان ومكانة على مدى تاريخنا الغابر والمعاصر.
مبروك مسرح «البولفارد».
مبروكة هذه المبادرة الرائعة والتي تصب مئة في المئة ضمن العطاء للوطن وأهله.