بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 أيار 2019 12:46ص «مسيو بشارة» بالفرنسية لـ «ألكسندر نجار» ومسرحة «لينا أبيض»

«سارتر» ألهب: «بالابان».. «عطالله».. «دياب».. في عمل نرفع له القبعة...

المخرجة لينا أبيض، وجوزيان بولس المخرجة لينا أبيض، وجوزيان بولس
حجم الخط
مألكسندر نجار إختار الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر محوراً لنصه المسرحي الجميل «مسيو بشارة»، بينما غبريال يمين ذهب أعمق في التاريخ ليصل إلى عصر ويليام شكسبير في مسرحيته الراقية والرائعة: «ما شاء Will».

كتب نجار نصاً مذهلاً في حبكته، ورؤيته وأفق مادته وتفاصيل الشخصيات فيها، وأخرجت المتميّزة جداً لينا أبيض، في إنتاج تبنّته بكرم وعمق جوزيان بولس عبر شركتها (62Events). مسرحية بالفرنسية تتخللها من وقت لآخر عبارات بالعربية لبعض الصياغات الشعبية المعروفة رغبة في توصيل الرسالة المطلوبة إلى المتلقي.

أمضينا وقتاً طيباً، ودسماً مع «مسيو بشارة»، خصوصاً لاعب الشخصية الرئيسية الفنان اللمّاح والماهر أنطوان بالابان. دور أعطى هذا الممثل الرائع حقه، فقد أفاض في تجسيد شخصية «بشارة بو بشارة» الباحث في مجال الفلسفة، والغارق ليل نهار في مؤلفات الفيلسوف الفرنسي الأشهر جان بول سارتر، مما جعله يتقدّم في السن من دون الاهتمام بنفسه، وعلى الأقل الزواج والانجاب. إنه يربط كل شيء في يومياته، وحواراته وهواجسه بـ «سارتر» إلى حدّ أن شقيقته جيلبرت (جوزيان بولس) أصيبت بحساسية حكاك كلما ذكر إسم سارتر أمامها، وهو أصرَّ على أن يكون موضوع أطروحته للدكتوراه هذا الفيلسوف العظيم.

كل هذا يظل في حدود السيطرة... إلى حين ظهور الجارة الجميلة سالومي، أو لولو الراقصة (تلعب الدور بإغواء ناعم وجميل إميليا زيادة) فتقلب له كل المعادلات، لا بل هو بدَّل الـ «لوك» الخاص به، خلع كل ما كان يعتمره ويُظهره عجوزاً بعيداً عن العالم وإرتضى توجيهات سيّد الموضة تصميماً وإعتماراً بشارة عطالله، فبدّل له مظهره بالكامل وجعله رجلاً عصرياً مع ألوان مشرقة تطل على النّاس بتفاؤل، بعدما قدّم الفنان عطالله وصلة من الرقص والحوار والحضور بالإيطالية كانت محط إعجابنا وتقديرنا لما فيها من إبتكار شخصي وحسن توليف هذا المناخ بما يخدم أجواء المسرحية، التي أمسكت المخرجة المتمكنة لينا أبيض، مع دخولها على خط التمثيل في صورة لافتة حركة وأداء بالصوت.

الفرنسية المعتمدة في الحوارات كانت واقعية، محكية، أليفة لم تحتج لمن يترجم مناخها، بما يعني أن الفلسفة والتعابير المجازية لم تدخل في صلبها، حتى على لسان «بشارة» الغزير في أدائه، والواثق مما يقول ويفعل، سواء إستكان أو تحرك.

الممثل وليد عرقجي الذي ظهر بالمايوه في البداية كان سيّد دوره أيضاً، مقنع، ويدخل إلى سياق المسرحية بكثير من الانسياب، ومعه شخصيات عديدة جسّدها جورج دياب القريب من القلب في شخصية المحقق على شكل وفعل كولومبو يخدمه صوته الذي يمنحه خصوصية وألقاً، كريستوفر زامر، لاري بو صافي، ترايسي الراعي، آية طربيه، سيريل جبر، نديم شماس، ورامي فغالي في شخصية ألبير النائم على مدى وقت المسرحية لكنه شخصية مؤثرة في إطار ما وضع له.

مناخ العمل يتكامل مع ظهور سارتر في الدقائق الأخيرة من المسرحية، ومواجهة بشارة وجهاً لوجه، في ثاني تعاون بين المخرجة أبيض، والكاتب نجار، بعد نص: (L`inattendue) الذي حظي بتقدير وإعجاب النقاد والجمهور.

والواضح ان هناك رؤيا خاصة لهذا الكاتب تنسجم مع معطيات وشروط المسرح وبالتالي يبدو واضحاً أنه مطلوب إسترجاع أعماله السابقة، وحثّه على الكتابة أكثر وأكثر لخشبات تحتاج بإلحاح إلى هذا النوع النموذجي من النصوص التي تحترم العقل، وتمتع الحواس، ولا تترك أي ثغرة في مجال التعاطي مع الإنسان من منطلق عقله وحواسه في وقت واحد.


بالابان والراقصة لولو