بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيلول 2019 12:02ص معرض الفنانة مهى أبو شقرا الخصائص الجمالية والحس الطفولي

حجم الخط
تتمرّد الفنانة «مهى أبو شقرا» (Maha Abou Chacra) على قواعد الفن التي لا تخلو من الخصائص الجمالية المثيرة بصريا للحس الطفولي وغموضه، وتحرّره المعتمد على النبض اللوني بعيداً عن التقاليد التشكيلية ورتابتها، باستخدام التأثيرات ذات الخلق العفوي، القائم على نبذ القلق والخوف بعيداً عن المألوف أو وفق النفس ورغباتها في استخراج المكنون المؤثّر خارج النظام الفني المعروف، وبتناسب مع المفاهيم نوعا ما، وان خرجت الريشة عن الدوافع إلا انها تلتزم بالرؤية التعبيرية لفن وحشي (art brut) هو صيغة بصرية تترجم العوامل النفسية التي يشعر بها الفنان بلحظات اندفاع الألوان والرؤى أو لحظات اللاوعي التي تخلق الحركة المكتظة بالمشاعر المتخبّطة، وهذا يولّد نوعا من التصويرات التخيّلية التي تتراءى للفنان، ويمنحها الصفة الفنية الخاصة به. فهل استطاعت «مهى أبو شقرا» أن تتخطى عتبات الفن الوحشي وإيقاعاته الجمالية ذات الطبيعة الاجتماعية وخارج المعادلات الفنية؟

تتسم مستويات الأشكال الفنية في أعمال الفنانة «مهى أبو شقرا» بالمجازية أو بدمج المفهوم العام لهذا الفن بالخاص ذي المجال البصري المهيمن على الأحاسيس، مما يخلق نوعا من التعاطف مع المعاني المستبطنة، والتي تجمع الغياب والحزن والانتظار والولادة والموت والتقاط تفاصيل الحياة الخالية من الشر أو من كل ما هو موجع، بمعنى آخر الاحتفاظ بلحظات الطفولة بصفاء نفسي تتخلله الألوان القاتمة رغم توهج الفواتح محتفظة بالظل وبأسلوب ينفي كل ما هو طبيعي أو معروف، لتضعنا أمام رسومات غير معقدة وان بدت غامضة وذات توازنات بين الظل والغوامق على نحو صامت، إذ يبدو الضوء المهمّش مرتبط بنوعيه الفراغات التي تتركها لتفكك الإيقاعات، وتحتفظ بالصمت الذي تبحث عنه رغم ضجيج الألوان بصريا، إلا أنها تفتح الاحساس على رؤية تدهش البصر متجاوزة الأشكال وملتزمة بالخلق الفطري والعفوي القابع في دواخل التعبيرات في كل لوحة لصالح الرغبات الوجودية والعودة الى لحظات الطفولة الخالدة ومخاوفها من المجهول أو من التساؤلات التي يطرحها الإنسان منذ الصغر. فهل هذا نوع من الخلق الفني الوحشي المعاصر أم هو الاحتفاظ بلحظات تميل الى إعادة الزمن حيث توقف في الذاكرة وهو الانتظار الشغوف لما هو آتٍ؟

تتفاعل التفاصيل اللونية مع الأشكال فتزيدها تعبيرات تخلق نوعا من المميّزات الغرائبية الناتجة عن استكشفات الوعي للاوعي أو للمخزون الحسّي الطفولي وتمرّداته على المفاهيم المجتمعية وبشفافية بعيدة عن الكوابيس الذهنية، إذ تستقر غوامق الألوان بين الفراغات لتمنح الاحساس بالحلم وتنفي السريالية رغم غرائبية الشخصيات ومواقفها من النظرة الخيالية أو الجمال الطفولي البرّاق المختزن للمخاوف الصامتة التي تستقر كما الألوان الداكنة في لوحات «مهى أبو شقرا» القادرة على الاستنهاض بالمشاعر الإنسانية ووضعها في فواتح الألوان ومعانيها ولهذا تمسك بالتوازنات بين الفواتح والغوامق لا إردايا، وكأنها حجّة للدفاع عن مراحل الطفولة عند الإنسان وأهميتها حيث تستمر الرؤى طيلة الحياة كما الحركة المتناقضة في اللوحات ذات الأحاسيس التي يتعذر على الطفل التعبير عنها بصوته، فتتفجر فيما بعد بصمت مع نبض الألوان البرّاقة، وكمون الغوامق منها. وبهذا تضعنا «مهى أبو شقرا» أمام صمت لوحاتها بجمالية التوازنات اللونية وتناقضاتها بمعنى زيادة التوهج في الفواتح الحارة والتقليل من الغوامق الباردة، لتحاكي فترة طفولية واعية حيث تتجلّى العوالم الأخرى حيث تبرز رفضها أو الاحساس بما يتعذر الوصول إليه فيما بعد أو لتجمع بين الأشكال الخيالية بألفة وبروح طفولية تستمدّ الإلهام من الاتجاهات المعاكسة للأمنيات التي لم تتحقق فيما بعد والتي تشكّل مجازية فنية أخرى.

معرض الفنانة «مهى أبو شقرا» (Maha Abou Chacra) في غاليري «اكزود الأشرفية» (Equipe Exode).