بدعوة من «مؤسّسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية»، انعقدت ندوة في مقرّها بطرابلس يوم الجمعة 12 تشرين الأول 2018 لمناقشة آخر إصداراتها كتاب: «المدن الأقطاب في لبنان – بيروت – طرابلس – زحلة – صيدا»، للأستاذ الجامعي عبد الرؤوف سنّو، وشارك فيها كلٌّ من المؤرّخ الدكتور قاسم الصمد والفنّان التشكيلي عدنان خوجة والدكتور جان توما. وقد أدارت الندوة الدكتورة زهيدة درويش جبّور، بينما ألقى الدكتور سابا زريق كلمة المؤسّسة. وانتهى اللقاء بكلمة لصاحب الكتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو.
وقد حضر الندوة رئيس بلدية طرابلس المهندس أحمد قمر الدين، والرئيس السابق للبلدية الدكتور نادر الغزال، ونائب إتحاد بلديات الضنيّة زياد جمال، ومديرة الفرع الثالث لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية بطرابلس جاكلين أيوب، إلى جانب حشد من الأساتذة الجامعيين، ورؤساء الهيئات الثقافية والكتاب والمهتمين.
- استهل الدكتور سابا زريق، رئيس الهيئة الإدارية لمؤسّسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية، صاحبة الدعوة الى الندوة حول كتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو، والتي تم اصدار الكتاب برعايتها، كلمته الترحيبية بوضع الحضور في الجو الأدبي العابق الذي تنعقد الندوة في ظلّه، والظروف التي جمعته بالدكتور سنو، مدليًا بالأسباب التي حملت المؤسّسة على تبني اصدار الكتاب؛ وأبرزها إفراده لحيز مهم فيه لطرابلس، فيحاء أو عشيقة الساباوين، حفيدًا عن جد، من نواح عديدة ومتنوعة، تتسم بشمولية معرفية تشدُ القراء على اختلاف اهتماماتهم. وختم كلمته بتهنئة المؤلف على نتاجه.
- قدّمت للندوة وأدارتها الدكتورة زهيدة درويش جبّور التي عرّفت بصاحب المؤلَّف، ثم تناولت كتابه فوجدت أنَّ ميزته الأساسية تكمن في فرادته، نظرًا إلى مقاربة شمولية أضاءت على تاريخ نشأة المدن الأربع موضوع الدراسة، ثم تطوّرها عبر المراحل التاريخية على الصعد كافة: العمران – الاقتصاد – الاجتماع – الثقافة - الحياة السياسية فيها، متوقّفة عند معالمها التاريخية ومواقعها الأثرية؛ كلُّ ذلك بأسلوب شيّق ولغة سَلسِة أضافت عليها الصور والشواهد والنصوص المقتبسة رونقًا خاصّا. وقالت: إنَّ الكتاب يجمع بين التحليل والعرض والتوثيق، لكأنّه مجموعة كتب في كتاب واحد ظلّ متماسكًا على تنوّع مضامينه.
ورأت الدكتورة درويش جبّور أنَّ الكتاب مفيد للباحثين والمختصّين، كما لمعلمي وتلامذة المدارس، إذ يُسهم في تثبيت الانتماء المواطني الصحيح، ويعمّق المعرفة بمدن لبنانية أربع أدّت دور قطب في محيطها الجغرافي.
تناول المؤرّخ الدكتور قاسم الصمد في مداخلته أهم المحطّات التي مرَّ بها تاريخ كلٍّ من المدن الأقطاب الأربع، وبعض المميّزات وأهم الأنشطة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والاستشفائية والمراكز الأثرية في كلٍّ منها. ثم ركّز على بعض الإشكاليات التي تناولها المؤرّخ الدكتور سنّو التي تعتور حياتنا الوطنية وتحول دون استتباب النظام السياسي اللبناني، وأهمها إشكاليتي الهوية اللبنانية ونهج السياسيين اللبنانيين في تصدّيهم لمعالجة الأزمات التي مرّ بها تاريخ لبنان الحديث والمعاصر.
- في قراءته لكتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو.. المدن الأقطاب... يسلط الدكتور عدنان خوجة الضوء على تجربة برأيه جديدة في كتابة التاريخ تقوم على سردية مبسطة للحدث مع تكثيف للدرس وتوظيف التاريخ لخدمة الحاضر والواقع السياسي، وهو يلجأ لتدعيم وجهة نظرة بادماج البعد الثقافي بالتوازي مع الحدث.
ويتناول الدكتور خوجة الشقّ المتعلّق بالفنّ التشكيلي في الكتاب المذكور بالتحليل والدرس، وبتدوين جملة من الملاحظات والتعليقات ووجهات النظر حول توجّهات الكاتب ومرجعياته، وهو يرى بأنَّ مقاربة الكاتب للفنون التشكيلية في لبنان بالتوازي مع الحدث السياسي تشكّلُ ظاهرة جديدة في الكتابة التاريخية وتفتح السبيل لقراءات مستقبلية قد تغني النصّ التشكيلي الذي لايزال في بداياته. كما إنّها تسهم في تيسير سبل الفهم للمسار الفنّي خصوصًا في فترة البدايات. ويخلص الدكتور خوجة إلى اعتبار كتاب الدكتور عبد الرؤوف سنّو .. المدن الاقطاب الصادر عن مؤسّسة سابا زريق الثقافية إضافة جديدة وفتحًا في مجال البحث التاريخي الثقافي.
- نوّه توما باشارة المؤلِّف إلى المفاصل التاريخية التي مرّت بها طرابلس؛ من إحراق الفرنجة مكتبة بني عمّار الشهيرة العام 1109م، إلى تأسيس الرهبان الكرمليين مركزّا لهم في طرابلس، ودخول الرهبان الفرنسيسكان، وكذلك الكبوشيون الذين تبعهم اليسوعيون وراهبات المحبّة. وهذا الحضور أدّى إلى التنافس في إطلاق المدارس، وتطوّر الطباعة والمكتبات والمؤلّفات والترجمة، وصولًا إلى أول جريدة طرابلسية: «طرابلس» مع البحيري. كما أشار المؤلِّف إلى الحركة السينمائية والمسرحية دارسًا ومقمّشًا وباحثًا في أنواع الأدوار المسرحية، في حين حضرت الفنون التشكيلية بقوة.
ختامًا، شكر دكتور توما الدكتور عبد الرؤوف سنّو على هذه الإضاءة التي تأتي في وقت ما زالت طرابلس تتعرّض لتشويه صورتها الحضارية التاريخية المشرفة.
- ثم اختتمت الندوة بكلمة للدكتور عبد الرؤوف سنّو شكر فيها الدكتورة زهيدة درويش جبّور والدكتور جان جبّور لتمهيد تواصله مع الدكتور سابا زريق؛ رئيس الهيئة الإدارية لمؤسّسة شاعر الفيحاء سابا زريق، من أجل تبنّيه طباعة كتابه. وقال سنّو إنّه إنبهر بعروبة سابا زريق الصافية وبشغفِهِ باللغة العربية وآدابِها. وقدّم الشكر لكلِّ الذين أسهموا في تجويد كتابه بالمعلومات والموضوعات أو قرأوا نصوصًا منه.
وفي الختام، شكر دكتور سنّو «مؤسّسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية» والقيمين عليها على دعمهم الثقافة والعلم، وتمنّى لهم المزيد من الازدهار والتقدّم. وقال: «أحييّ طرابلس الفيحاء وأهلها الكرام الذين أحاطوني بودهم، وأغدقوا عليَّ من علمهم ومعارفهم ودماثة خلقهم. فأشعروني وأنا البيروتي المنبت أنني في دياري، في رحاب مدينة العلم والعلماء».
وفي نهاية الندوة سلّم رئيس بلدية طرابلس المهندس أحمد قمر الدين الدكتور سنّو درعا تكريمية، فيما قدّم له الفنّان التشكيلي عمران ياسين رسمًا زيتيًا لشخصه، وأقيم حفل كوكتيل بالمناسبة.
* توزيع: المكتبة الحديثة للكتاب/مكتبة أنطوان/مكتبة بيسان