بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 نيسان 2024 11:59م نسر ودجاج!

حجم الخط
يأبى النسر الحكيم الشجاع، أن يدع موطنه نهبة للدخلاء والطامعين، فتثور فيه الحمية والنخوة. وتهبُّ الطيور الكواسر من كل حدب وصوب، بإزاء المخاطر، للذود عن كيانها، وللدفاع عن كرامتها، حتى تمتلئ الآفاق بحشد يثير ضرب خوافيه غبار السحاب. وإذا بالشاعر الطائر، يحلّق عزيزا كريما، ومن حقّه أن يردّ عن وطنه كل مستعمر غاصب.
هنا زبدة ما رمزت إليه في محاولتي القصصية اليتيمة بعنوان «نسر ودجاج» التي نقلها الدكتور فؤاد ذوقي إلى الفرنسية.
إن شاعرنا - بل كل مبدع، لا يرغب في القتال، ولا يميل إلى النزال، ولا ينشد إلّا الدّعة والوئام، فيطمئن الطيور إلى أنه إنسان مسالم فرَّ من أذى الناس وجاء لتنعم بما تنعّم به عبقريته من رشد ونور.
الحق أن الشاعر أو المبدع يعبّر عن دخيلة قلبه وكوامن نفسه ودقائق حسّه وعصارة فكره المروحن، وهو أبعد خلق الله عن الشر، وأقربهم إلى الخير والمعروف.
وينبري ليل نهار محترفون أو طارئون في عوالم الشأن العام، سالكين سبل الخنوع والارتهان بلباس قشيب أحيانا، ويتطاوسون أحيانا أخرى باعتبار أنهم «نظراء» لهذه الشخصية أو تلك في العالم، فيما هم دجاج يقتفي ما يتنافى وشاهقات القيم البشرية. الشعراء (ومن إليهم) يحبون النسور ويطربون لأصواتها، ويتمنون لو كانت لهم أجنحتها ليتنقّلوا بها من غصن إلى غصن، ومن قمة إلى قمة، ومن وادٍ أغن إلى روضة فيحاء، وليتمتعوا بما تتمتع به من حرية لا تحدّها التخوم، ولا تقف دونها الحواجز.
هل يظلّ مبدعونا الثقات، يكتفون باستعطاف النجوم، ويطلبون إليها أن تشفق عليهم، وأن ترأف بهم، وأن ترحم ضلوعهم التي تمزّقها الأشجان، وأن تكفكف الدموع المتدفقة من عيونهم، وأن تذكّرهم بالخير بين الكواكب، عسى أن يهتدوا إليه ما ينشدونه من راحة وسلام؟ هل تراهم يعيشون تراودهم طيوف المنى، ولكنها طيوف تومض كالبرق، تاركة وراءها الحسرة والخيبة والألم المرير؟!!..
د. جهاد نعمان - باريس
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه