في الوسط الثقافي تبرز أحيانا بعض المواقف وبعض الشخصيات لا يُمكن إدخالها إلا في خانة النوادر أولاً بندرتها وثانياً لظرافتها.
من الشخصيات التي ظهرت وتميّزت المرحوم عبد الأمير عبدالله الذي كان كاتباً صحفياً بقلم مميّز وكانت آخر مواقعه قبل رحيله الزميلة «الكفاح العربي».
رحل عبد الأمير منذ سنوات بعد صراع مع مرض عضال لم يمهله طويلاً، ما زال في البال كأحد أهم ظرفاء الوسط الثقافي الذي إحدى سماته الجدية، والتي غالباً ما تكون قشرية.. ولتأكيد ظرفه لا بدّ من سوق أمثلة.
ذات يوم كنا في مقهى «الويمبي» أنا والروائي والشاعر العراقي الصديق جنان جاسم حلاوي الذي استقر الآن في السويد، وكان قد صوّر لي رواية عن دار الآداب هي «عروس الخضر»¡ وعبد الأمير على الرصيف وشاهدناه من خلف الزجاج، فألقى التحية فطلب منه الدخول فدخل وجالسنا وكانت لدي عدّة نسخ من الرواية فأهديته نسخة فتقبلها شاكراً ومضى.
إلى أن جاء يوم كنت أيضاً في «الويمبي» مع الصديق الراحل عصام محفوظ عندما شاهدناه دخل.. سلم وجلس وبدأ حديثه عن الرواية قائلاً: ما هذا الاسلوب الجميل وهذه اللغة الرائعة وتلك المشهديات المهمة والحبكة الفنية المختلفة... رواية رائعة بالفعل تستحق كل التقدير والأهمية.
قلت له يا عبد الأمير ما دمت تراها بهذا الشكل وأنت تكتب في «الكفاح العربي»، فهذا الذي قلته الآن أكتبه..
فقال جاداً: «... وحق الصداقة ورحمة أرواح من مات أنني عندما اقرأها سأكتب عنها»..
ضاحكاً طارداً للهموم والهواجس.
ومرةّ أخرى كنّا في «المودكا» أنا وزهير غانم رحمه الله عندما دخل وسلّم علينا وتجاوز طاولتنا إلى طاولة قريبة يجلس إليها أحد النقاد الذي كان على «كسر عضم» معه ومخرج مسرحي صديق هو جواد الاسدي، فاستغربنا ذهابه إليهما مع معركته مع الناقد الشهير..
وما ان وصل إليهما حتى سلم على جواد قائلاً:
- كيفك جواد.. ولو ليش جالس لوحدك.. تفضل اجلس معنا..
تلك بعض النوادر التي لا تحصى، أسجلها اليوم خوفاً من سقوطها في بئر النسيان.
ولطلب الرحمة لروحه التي باتت بين يدي الخالق عزّ وجلّ.
الياس العطروني