بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 نيسان 2024 12:00ص وليد نويهض في «مدخل إلى مأزق الثقافة العربية»الثقافة الدولتية

حجم الخط
المسألة الثقافية في بلاد العرب والمسلمين، تطرح كل يوم عليهم، كل شمس. فالعصر قد تقدم كثيرا، فسبقت آلته، وتأخّرت آلتهم عنه، فوقعوا تحت رحمة الآلة الحمائية من جهة، والآلة الحياتية من جهة أخرى. فصاروا إلى البلبلة الثقافية. فما يفكرون به، لا يعود عليهم بتكوين سلطة مستقلة، لأنهم محتاجون بإستمرار للآلة التي هي من إنتاج غيرهم. فما بالنا إذا وجدوا أنفسهم وسط إستثمار لا يرحم العيش، ولا يرحم الأمن، ولا يرحم الحريات.
في كتاب: «وليد نويهض. مدخل إلى مأزق الثقافة العربية. نلسن- بيروت. 230 ص»، عرض للجدالية الثقافية التي واكبت قيام المجتمعات العربية والإسلامية ودولها. وواكبت أيضا المحن الثقافية التي حاصرت المثقفين، وجعلتهم أسرى الصراع على تأسيس الدولة وعلى مشروعها، وعلى عقيدتها، وعلى كذلك قيام السلطة، وعلى التخويض في المشروعات الاستثمارية، بإعتبار أن العصر كله، يؤول بآلته القوية، للهيمنة، من أجل الإستثمار، تحت غطاء طلب الحريات العامة، في منعطفات الدعوة إلى نهوض الدول ومشروعاتها.
على غلاف الكتاب، توضيح يختصر أزمة المثقف العربي الحديث اليوم. فهي تبدأ من لا تاريخية ثقافته الحائرة بين الهوية الموروثة والقناع الثقافي، فتتفاقم الأزمة، حين ينقطع به القناع عن الواقع، ثم تزداد غربة المثقف عن بيئته، في مشروعات الآلة التحديثية، وسرعان ما يواجه الإنفصام، حين تتكوكب المجتمعات على تحديثات وافدة إليها، من آلة ليست من صناعتها. ناهيك عن الهواجس الأمنية التي تحكمها، بفعل طغيان مشروعات الاستثمار في السلطة وفي الدولة... فكل دولة اختارت حداثتها، على ضوء مصالحها في الإستثمار، وصارت تروّج لها، وترغم الناس عليها. وتطلب من النخب الثقافية، أن تتجنّد لخدمتها، بوقا نافحا، على مستوى الإعلام، وعلى مستوى الترويج لأبنية الرأي العام، وكذلك على مستوى التثقيف الدولتي، والثقافة الدولتية. وحصيلة ذلك يظهر حتما، في معادلات السقوط والهبوط والتخبط، وهذا ما يؤهل للاستثمار، في الآلة، أكثر من الاستثمار في الثقافة. 
فعدم وحدة الدولة أفشل وحدة مشروع التحديث وشرذمه. فآل كل شيء إلى محاولات تجريبية عاجزة عن نقل المجتمع للبناء في دولة حديثة، وتطوير بنية «الدولة» وتحويلها، من مشروع متخيّل، إلى دولة تاريخية.
يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة وجوه، ويطرح علينا المؤلف في مقدمة كتابه، جملة من الأسئلة: عن الثقافة العربية، في ماضيها وحاضرها، وعن قدرتها على الإستيعاب وجعلها تصب في الموروث الثقافي، ذلك أن الثقافة هي مراكمة يومية لفعل يومي، ولا يجوز الإنقطاع بينها وبين العصر. فما يسقط منها، ربما يتسبب في الإنقطاع عن العمل الثقافي التواصلي. ولا يخفي الباحث وجوه مرحلة الفوضى الإنتقالية، فلها عنده شروطها، وهي أن تحافظ على الحلم الذي يتعهد النهوض لا السقوط، ويتعهد التجديد لا التبديد.
ويكشف المؤلف في خواتيم مقدمته الطويلة، عن وجوه للأزمة البنيوية الثقافية التي تحكمت بالفكر الإسلامي وما نجم عنها من عبور للحروب الأهلية.
في الوجه الأول: الثقافة والحق في الإختلاف. فهو لا يتحدث عن الإندفاع الحضاري السابق، بقدر ما يتحدث عن التدافع الحضاري. وإذ نجح المسلمون في تثبيت الإسلام في النفوس، فإن أهله فشلوا في بناء الدولة من خلاله، لأنهم صاروا إلى وجوه عديدة من الإختلاف فيما بينهم، ظاهره المصلحة العامة، وأما باطنه، فهو الإستثمار في المصالح الخاصة.
في الوجه الثاني، يتحدث عن مأزق الثقافة عند المفكرين العرب، وعن الأسئلة البنيوية القلقة. فهناك حداثات مبتورة لم تصل إلى شيء. وهناك إلى جانب أزمة الفكر، أزمة تفكير قاتلة. وأما عن الرؤيا لنهضة أوروبا، فهي تقاس بمقياس الاسثمار الخاص في الحداثة، لا الاستثمار العام لصالح المجتمع وصالح بناء الدولة.
في الوجه الثالث، يتحدث المؤلف عن فلسفة هيغل، وعن مأزق الجسر الذي يربط فلسفته بالفكر العربي النهضوي والحديث. ويشرح لنا أزمة التوفيق بين الأضداد، تماما كما يشرح أزمة الفلسفة وفشلها. ويطرح في ختام هذا الوجه، ما أسماه تراجع الفلسفة وفشلها في النصوص وفي النفوس، وتحت القبة الحديدية التي سقف بها الغرب هذا العصر، لأجله، ولأجل الإستثمار فيه لمصلحته. وهذا ما كشف عمق الأزمة بين العرب والغرب، وجعل بلادهم بكل دولها، محميات غربية بشكل أو بآخر.
الوجه الرابع جعله بعنوان: التداعي والسقوط. وقد كشف لنا أن العرب والغرب، يعيشون في مرايا متقابلة، بكل المظاهر وبكل التماثلات. وأن الغزو الغربي، حاضر دائما، بشكل أو بآخر، لرسم خرائط الشرق الأوسط الجديد. وهذا ما يجعل الإسلام أمام معضلة في الحكم وفي السؤال عن الحرية وعن إشكالياتها، وكذلك عن المغامرات العربية وعن المعضلات التي تواجه المجتمعات الأهلية، ويتوقف عند دو توكفيل وغرامشي، ليشرح وجوه التباينات التي أصابت الحقل المدني، كما الحقل الأهلي. وجعل الإنقسام العربي عموديا، وفاق المصالح الإستثمارية الخاصة في السلطة وفي الدولة.
يختم الباحث الأستاذ وليد نويهض فيقول: المعضلة إذا أعمق من تلك القراءة المتسرّعة (المؤامرة الكونية). فالمعضلة بنيوية - تاريخية، تتصل بطبيعة أهلية تحتاج إلى جهود الجميع، توحّد التشكيلات في إتفاق إطار (العقد السياسي)، دون أن يعني ذلك الدخول فورا إلى الحل. فالفوضى تؤدي إلى الإستبداد، والإستبداد يؤدي إلى الفوضى. وهذا هو الوجه المسيطر اليوم على دول ومجتمعات العالم العربي.

 أستاذ في الجامعة اللبنانية