بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

30 آذار 2018 12:05ص الطابعة والزمن السريع

حجم الخط
جميعنا نردّد العبارة نفسها: «الأيّام عم تركض».. الناسُ يتسابقون داخل حلبة غامضة من دون هدف واضح، والأشياءُ تقفز فوق بعضها كالأرانب الخائفة. إلى أين الخطى؟ تسارعٌ كوني رهيب، كأن الأيام تنتحر من كآبتها، والسنين حيتان نافقة. 
لكن وسط هذا المشهد الذي يأخد بنواصينا كليّةً، لا ننتبه إلى أن نفوسنا تغادر حقولها، وتُمسي كالصحون الطائرة في فضاء مُتخيّل، لا ندري ما الحقيقة فيه. انفصامٌ حادّ بين أجساد تنهشها عقارب الوقت العمياء، وأرواحٍ تلتهبُ مفاصلها عند كل سكْن، فتتوق لتمزيق لحمها وبعثرته كالغبار. 
وحدها المقتنيات القديمة الواقفة كالعلامات الباهتة على هذا المزلج العظيم، تومئ برأسها نحو ما فاتنا من إيقاعات الماضي، فنُدرك حينئذ أننا في صقع آخر من أنفسنا، وأننا على شفا حفرة من انسانية محوّلة، ستجدُ نفسها قريباً، شيئاً من بين الأشياء! 
طابعة كومبيوتر نسيها كرنفال التقْنية في مكتبي، أرجعتني إلى ما صار بعيداً في خريطتي الجينية المعدّلة، وأحيَت فيَّ انفعالات أُهيل فوقها لعاب الاستهلاك المسموم. فضيلة أن تصبر أو تنتظر أو أن تتمالك أعصابك المندفعة نحو اللاشيء.. على وقع هذه الآلة العجوز التي تزحف أمامي كسلحفاة بريئة من لوثة السباقات المتوحّشة، ينسابُ الزمن بطيئاً بين أصابعي، أقلّب أطرافه، أمسح جلده الخشن، وأشمٌ فيه رائحة الماضي العالق. أتغلّب على الهاوية داخلي، وأنفصل عن العالم تماماً، تتعطّل محرّكات اللغة المتوثّبة، ويرسمُ الصمت دائرته الكبرى حول الأشياء. 
ثمّة ما يأتي كأمنيّة أو كحدثٍ نادر، ما عليك سوى انتظاره، بملء الحب. 
كتفتّح وردة في حضن الليل، تخرج إليك ورقةٌ بكامل خجلها، لتقول لك: هأنذا بين يديك، أواني قد مضى، فامنحني بعضاً من أوانك المسكوب كالريح، كي لا تخدعنّك سرعة النهايات! 


أخبار ذات صلة