سبحانك اللهم في حكمك.. لكَ في خياراتك واختياراتك.. وتصنيف مخلوقاتك أهدافاً ومقاصد.. لا يبلغها إلا كل مصطفى بمشيئتك العظمى.. المرسومة إلى يوم الدين في اللوح المحفور..
خرج والدها مع الصباح الباكر.. لإصلاح عطل طرأ في الليل المنصرم على سيارته.. فوقفت إلى باب الدار.. وهي لم تبلغ منتصف عامها الثالث.. مردّدة: «الله معك يا بابا.. الله يوفقك».. فاستدار صوب عذب الألحان المترنّمة من صوتها الملائكي.. قائلا: «الله يسلّملي عمرك يا عمر بابا.. الله يحميلي ياكي».. وعاد أدراجه مقبِّلاً وجنتيها الورديتين.. بلون زهري ربّاني..
ومضى إلى حيث يقصد.. ولما أفل من هموم السيّارة.. عاد إلى المنزل آملاً لقياها.. علّها ترفع عن كاهله هموم الحياة وآثامها.. فقرع جرس الباب لتصرخ من الداخل: «أهلاً أهلاً بـ بابا.. أهلاً أهلاً حبيبي».. وفتحت له باسمة ضاحكة متورّدة الخدّين.. فصدمه ما رآه..
«ست الحسن» الصغيرة.. لوّنت وجهها بأحمر الشفاه.. ومتباهية بما فعلته قالت: «بابا أنا صرت حلوة.. بابا أنا لوّنت وجّي بالروج (Rouge).. شوف أنا شو حلوة متل ماما»..
أنْ ينهرها لما فعلته لم يستطع أبداً.. فهي بعضٌ من قلبه بل كل قلبه.. إنّها روح الروح وفلذة الكبد.. وما اقترفته يداها ما هو إلا حكمة ربّانية.. تتماهى بجمال والدتها.. لتتدلّل على أبيها وتتغنج في أحضان مثالها الأعلى..
رفعها ملوّثاً سترته البيضاء بصباغ شفتيها.. وردّد عدّة قهقهات تزامناً مع صراخ والدتها: «تعا شوف نزعت كل علبة المكياج الجهلانة الزغيري».. فأجابها: «وحّدي الله يا مرا.. ما عملت شي.. طفلة وعم تتشبّه فيكي».. فبادرته بالقول:» إنت بس شاطر تنزعها.. الله يسترنا بس تكبر»..