بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

18 تشرين الأول 2018 12:14ص اليوم مات صديقي!

حجم الخط
كان الليل أسودَ.. وعتماته كحيلة كعينَي المهى.. ومطره غزير كانهمار دموع الأم الثكلى.. ورياحه تعوي كذئاب جائعة.. ورعوده تقصف كحرب ضروب.. اشتعلت وما عادت تعرف الانخماد..
ناداني «صاحبنا» والشوارع ظلماء صمّاء عمياء.. سمعته والوجع يمزّق ما بين الصدور.. فلبيّته على الأثر.. علَّ التأخير لا تُحمد عقباه.. وإذ به يبادرني سائلاً: «أنا غلط؟!.. ليه كلّهم عم يعملوا فيي هيك؟!.. وين الغلط اللي فيي.. لمّا أعطيهم من قلبي.. وعند أوّل وقعة إلي بتطلع سكاكينهم»..
من روع «صاحبنا» هدّأت.. ومن تحت الأمطار أنقذته.. وسألته عّما به.. وما الذي حمله على هذه الأسئلة.. فقال: «صديق لي وعشرة عمر.. كنتُ له السند والعضد.. في وجعه كنتُ بلسمه.. وفي كبواته كنتُ اليد التي أبرأت جراحه.. وطعنات الغدر تلقيتها بصدري حمايه لظهره.. حتى أنّني أبعدته عن درب الضلال.. واحتساء الخمر والمعاصي.. بل وجّهته إلى درب الصلاة.. غير ذلك الكثير دون أنْ أنسى أنّه كان خير الأخ والصديق في شتى الأحوال والظروف.. 
لكن ما أنْ حلَّ به الثراء.. حتى انقلبت حاله.. وراح يبحث عمَّنْ هم في نفس تفكيره.. الذي اكتشفتُ مؤخراً أنّه «تفكير مريض».. وعند أوّل كبوة لي «طنّشني» بحجّة ظروفه فـ»بلعتها».. وفي الكبوة الثانية تكرّر الحال.. وكرّرت المسامحة علّها الظروف.. أما خلال وعكتي الثالثة فهجرني.. ورماني كالبعير الأجرب.. وراح يفرح ويمرح ويرقص.. متباهياً بذاته والأيام تمضي.. وأبرئت من ألمي.. وعنّي أبداً لم يسأل»..
وفيما الصمتُ يأسرني ويكبّلني.. استرسلَ «صاحبنا» من فرط الأسى قائلاً: «رأيته في أحلامي وقد عاد إلى غيّه من الخمر والسُكر.. وحتى المصحف الكريم مزّقه.. وسجادة الصلاة أوقد فيها نيران ثورته.. فنهضتُ من سُباتي هلعاً.. أسعى للإطمئنان عليه.. واستغليتُ فرصة محادثتنا لأعاتبه.. مستفسراً منه إنْ كانت أحوالي قد مرّت في باله.. فلم أجد أي جواب.. بل كل ما تفوّه به هو شروط للقاء بي»..
لألم «صاحبنا» قلبي انفطر.. ولم أعرف بما أُجيب.. حتى أبلغني بما كان جوابه لصديقه.. قال له: «اليوم مات صديقي!.. وفي الغد سأتوجّه إلى أهلك مقدّماً واجب العزاء.. أنا أُريد صديقي القديم ولا أُريدك.. رحمة الله على صديقي.. إمضي فلا أنتَ من ثوبي ولا أنا يشرّفني ارتداء ثوبك»..

أخبار ذات صلة