بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

21 شباط 2020 12:00ص توقّف أيها الزمن!

حجم الخط
الموسيقىَ تنشرُ الضوءَ الخلاّب في الغرفة المُعْتِمة. حُبيباتُ الحزنِ فيها تُلامسُ وجهيَ الضّال قبلَ أن تنسلَّ خفيفةً إلى نوافذِ الرّوح المكوّرة على غموضِها الطويل. فوقَ الطاولة أكوامُ جرائدٍ عليها غربانٌ من الحِبْر. البارحةُ قد غادرَنا على قدميه الهزيلتيْن بينما متدحرجاً يأتي إلينا الغدُ؛ كأنّما يسقطُ علينا من غفلةٍ بعيدة. يدانا بالليل عابقتان كالجُرْح.

 الآمال القليلة في حناجرنا تتطايرُ مثلَ الرصاص الطائش. والنظرات المليئة بالغرَق تائهةٌ مثل عشبٍ تدوسُه الأرجل. المرايا مقلوبةٌ كالسّلاحف على شواطئ ظلالها. والأمواجُ العالية تغرزُ في كتف الأفقِ الشاحب أسنانَها المالحة. ينامُ الأرز على وصايا الريح. لا شيء مثل هذا البياض المُنسحِب كقائدٍ مخدوع في حربٍ قذرة، سيُكلّل الهامات بعد اليوم. المتطاولةُ منها كالسّيوف أو المكسورةُ كالأعناق. 

بل قممٌ بألوانٍ شتّى ستتدافع قاتمةً كاليتامى على موائد الحضيض. تفتح الغابةُ حضنَها للخائفين من مراوغات الماء في السّراب، وللمتوجّسين من نوايا الغصون في الأخضر الساذَج، وتضحكُ على الذين يدّعون حرفةَ اصطياد الطريق وسط عزاءات النجوم. أصواتٌ مفترسة تتداعى على خصوماتٍ في الهواء والتراب. إمتيازاتٌ قاتلة للوقت على حساب الوقت. وعقول تطلّق أفكارها العنيدة عندَ فواصل الدّم الأرعن. أتونٌ للهذيان الوطني يجرُّ الكيانَ معه إلى ما وراء الحدود المستحيلة. إمعانٌ في ضروب الاقتسام الباخوسيّ يُنزّل اللعنات الوليدةَ من جحورها السوداء. تضيقُ الأشياءُ بأسمائها المَلْهاة. تختلط بالمُمْكن فنون الدخان المتورّم من عروض الدوران حول أعياد الفجيعة. وحدَها الهاويةُ المرابية تُبدّد كثافةَ اللحظة الحائرة بابتسامتها البيضاء. 

لا عصا سحريةً كي نضربَ بها هذا الجدار الأفعى الذي يتلوّى أمامنا عند كلّ خروج. الداخلُ دواخل كثيرة. إنّها متاهةُ السريرة. لكنّ الهروبَ المُخاتل يمدُّ لنا يديه الآن ويتأبّطُ خلاصاً أسيراً في معركة «دون كيشوت» النبيل. أنىّ للريح أن تُعيدَ ما زيّنت بها شعرها البدويّ. وأنىّ للصدى أن يُرجعَ ما لم يُقلْ أبداً. «توقّف أيّها الزمن» يصرخُ «فاوست» وهو يقترب من الجحيم بعد أن قايض أبالسته على روحه وجسده.  

أخبار ذات صلة