صاح من أعماق ألمه «ما بدّي شي.. بس يخلّوني عيش أنا وعيلتي من الحاويات».. كلامه هزَّ الإعلام.. كلامه أبكى القلوب.. لكن كلامه لم يُسمِع ميتاً.. فهم يتلهّون بجنس الملائكة.. هل هي «تكنوقراط» أو «تكنوسياسية» أو على قياس مَنْ ستكون؟!
قالها: «أنا معي بطاقة إعاقة.. بس الحمدلله ما بستفيد منها بشي.. روح بلّها وشراب ميّتها.. هيك بيقولولي».. أي زمن وأي ألفية وأي مواطنية.. وأي «فخامة وسماحة وغبطة ونيافة ودولة وسعادة وحضرة وسيادة وزعامة».. وما إلى هنالك من الألقاب لم تر وجع هذا اللبناني.. الذي يطالب بمعيشته من النفايات..
«ساووني بالسوري.. هنّي بيتجمعوا على الحاويات بس نحن ممنوع».. أيُعقل أنّ هناك مواطناً في دولة تدّعي الديمقراطية والتمدُّن.. وفيها من الساسة مَنْ يتنقلون بالطائرات.. بينما بعض الشعب إنْ لم يكن أغلبه.. هوى تحت خطوط الفقر وصارت معيشته «ذل بذل»..
عندما تموت الكلاب الشاردة في السويد.. تعمل البلديات على إحسان مثواها الأخير.. فيدفنون جيفها في مقابر مُخصّصة.. أما في لبنان فالأحياء لا أماكن لهم ليعيشوا.. لأنّهم في قاموس ركّاب الكراسي.. «زيادة عدد وعالة عالمجتمع.. وبيستهلكوا أوكسجين زيادة».. «بس بحروب الكبار لازم يكون في حطب لتولع أكتر.. ومين بدّو يولّعها غير زلمة البيك والباشا واللي بيشبهوهن»..
من أمام مصرف لبنان المركزي في شارع الحمراء.. من قلب بيروت صرخها.. فيا ليتها تُسمع «ساكن الركن العالي».. لتتحرّك عين الأب إلى صرخة وجع الإبن.. الذي لا فرق بيننا وبينه إلا ظروف الحياة.. بل هو عار العار على «الباب العالي».. سماع أنّ في عهده «جوعان» يقتات من النفايات ويمنعونه.. ويبقى صامتاً بعدما قال: «بحبكن كلكن يعني كلكن»..