حسناً فليكن كل شيء في حياتنا عن بُعْد: العمل، التعلُّم، التبضّع، والعلاقات الاجتماعية. ففي المسافة قدْرٌ من الذكاء (الاصطناعي) لا يُستهان به. والهروب إلى التكنولوجيا بات أشبه بالمصير لكل فرد منّا من قبلِ أن نستيقظ جميعاً على حقيقة تائهة: هناك مصائر أخرى غير التي نظنّ بأنّنا نصنعها بأنفسنا.
حكمةٌ لا ندري من سيتعقّلها في هذا العالم الذي ظهرت هشاشة أنظمته، وتهاوت ادعاءاته، أمام امتحان صغير. في لبنان يندفعُ المسؤولون مثل غيرهم في بلدان العالم في سباق الاحتواء والسيطرة على الفيروس. يتخذون إجراءات التعبئة العامة، ويفرضون الحجر المنزلي على الناس. فلا أمن يعلو فوقَ الأمن الصحّي.
وهذا حقٌ كلُّه، لكنّه يُخفي وراءه أباطيل كثيرة! إذ أنّ ثمة شيئاً وسط حفلة التباعد المحمومة تلك، لا يني يقتربُ من اللبنانيين أكثر فأكثر: ألا وهو الفقر، ألا وهو الجوع. فليس صحيحاً أن حياتنا أصبحت كلّها عن بُعد، محتفظين عن طريق هذه النصيحة الغالية، بأرواحنا. هناك من داهمنا على حين غِرّة وسرق منا كلّ أموالنا.
وهناك من يزورنا يومياً في محاجرنا من أجل أن يحصدَ آخر أملٍ لدينا في استرداد وطننا المنهوب. عاجلاً أم آجلاً سوف ينتهي كورونا من تلقاء نفسه. فلِطمَع الأوبئة القاتلة حدودٌ تقف عندها وضحايا تكتفي بهم.
الجائحةُ الحقيقية في نفوس أولئك الذين لا حدودَ لجشعهم ولا كفاية لأعداد ضحاياهم. لقد زرعوا الفقرَ في- الوطن الصغير وها هم على أجنحة الكورونا يزدادون بُعْداً عن يدِ العدالة وعن القصاص الذي يستحقّونه. ماذا يُمكن لزيارة يتيمة إلى محال الأغذية أن تفعل؟ هي تحدّ للحجر الصحي بلا شك. لكن هل هي كذلك بالنسبة إلى الأسعار المتغوّلة؟ أو بالنسبة إلى المتلاعبين الكبار بلقمة العيش وبحقوق ملايين المودعين الصغار في المصارف؟ هل ثمة إجراءات ضد فيروس الفقر الذي تمّ تصنيعه على يد الطبقة السياسية وشركائها؟ أم ستبقى الحكومةُ حكومةً عن بُعد؟!