سُئلت من بعض الأصدقاء عن غير قصد: ماذا ستقدّمين لأمك في عيدها؟.. تدحرجت الدموع على وجهي دون أنْ أجاوب.. استدركت إحداهن أنّ والدتي توفيت وهي في الثامنة والأربعين من عمرها.. وأنا في عيدها أقرأ لها القرآن وأحمل الزهور إلى قبرها.. ليتها على قيد الحياة حتى أضع رأسي على كتفها وأهمس من مخاوف الحياة.. أهمس لها عن مدى تعبي وهي تمرّر يدها على شعري..
مهما كبرنا نشعر بأنّنا أمام الأم والأب وحكمهما.. نبقى صغاراً مهما كانت درجتنا العلمية والثقافية والاجتماعية..
رحمك الله يا أمي.. رحمك الله يا حنونة.. رحمك الله يا حكيمة.. رحمك الله على القدر الذي عذّبناك فيه بطفولتنا.. كنت تهمسين همساً إذا لم يعجبك تصرّف من أحدنا حتى لا يسمع الجيران أنّك توبخي أحدنا..
اليوم أشعر أنّني أقف وحيدة في العالم.. كما في كل عام بعد فقدانك وفقدان الرجل الشامخ ريّس الريّاس الوالد.. وهذا لا يعني أنّني لا أتذكّرك يومياً.. أنا أشتاق إلى كتفك لأُلقي عليه ثقل الحياة.. ولبسمتي عندما تقولين: «الله يرضى عليك»..
أمي كنتِ سيّدة عظيمة في كل المقاييس.. قاسيت قهراً على حرق شقيقي بالكهرباء وشلل شقيقتي.. كنتِ لا تشكين.. لكن دموعك كانت تسقي سجّادة الصلاة.. رضاؤك عليّ كان كبيراً.. فهل ما زلت في دنيا البقاء على هذا الحال تترضين عليّ.. عملت بوصيتك وروحك تصعد إلى خالقها نتيجة السكتة الدماغية.. أوصيت أخي أنْ أهتم بإخوتي الثلاثة الصغار.. نفّذتُ ما طلبت بل ما زلت أهتم بالجميع.. لكن مَنْ يهتم بي يا أمي؟.. أريد الكتف الذي يحمل همومي.. يحمل ما أقاسي في هذه الفانية..
أحنُّ لسماع صوتك.. أفتح المسجّل لأستمع إلى صوتك.. لكن المسجّل ليس كما الواقع بالحضور وبالبسمة الواسعة..
رحمك الله يا أمي بعدد حبّات الرمال وبعدد قطرات المطر؟!