بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

25 شباط 2022 12:00ص صافيا

حجم الخط
صافيا تضحك للوجوه من حولها وتمنحها قمراً ناقصاً في سماء غربتها. وصافيا تبكي في سرّها موجةً صغيرة استلقت على شاطىء الموت. الملح في عيوني مرايا مكسورة والدنيا في قلبي شظايا تقول صافيا التي لم تمتهن فنّ الأقوال. وصافيا امرأة عاديةٌ مثل النهار. نشيطةٌ مثل جرح ينزف على حدّ ابتسامة تلمع بحياء. بصوت عالٍ أناديها كل صباح على فنجان قهوة سريع. أرطن معها بالفرنسية كلحظات صحو قليلة. فكياني شتاءٌ عربيّ طويل. أتعلّم منها بضع كلمات تقول للفلسفة: ابتعدي من هنا! أسألها عن الأحوال وعن زوجها وأولادها وعن العيش فيبلاد الغال فتحمد الله كثيراً. صافيا عربية جزائرية تحمل بين أصابعها تراب وطنها وفي شرايينها دماء الشهداء العظام. ولا تنسى أنتصحّح لي الرقم الذهبي للثورة: مليون ونصف المليون شهيد. تتقبّل صافيا الجميع وتكره الانغلاق والغلو باسم الدين أو الهوية. تُحبّ الفرنسي كما تُحبّ الصيني. كلاهما مخلوق لله. لكنها تميل للعربيّ، ولا تتوانى عن تقريع متحرّش بها على قارعة الطريق. أليس عندك إخوةبنات وأعراض تخاف عليها: العبارة الشهيرة لتذكير العربيّ الضّال بعربيّته. هي لطيفة مع الآخرين وقاسية في مواقف تتطلّب الحسم. تُسامح كثيراً وتتذكّر الصّدقات أيام الجمعة. سريعة التأثر بمأساة أحد تعرفه أو تسمع عنه. عاطفية جداً. العِشْرة تحفر في قلبها عميقاً. وللوداع في عينيها رصيفٌ من دموع. غداً أهرب من صباح لا تُشرق فيه وجوهٌ اعتدت عليها. الصداقات العابرة أحياناً جسرٌ دائم. رسائل عرفان ما زالت تتلقّاها صافيا من نزلاء معهد المترجمين الدولي في أرل الشهيرة. فهي التي تقوم على خدمة الجميع وراحتهم خلال أيام إقامتهم يُحبّها الجميع ويقدرون تعاونها معهم. إنّها تضفي طمأنينةعلى المكان وجواً من الحبور في التعاطي السّهل والمرن مع القادمين من كل أنحاء العالم. وأنا خصوصاً وجدْت في أخلاق صافيا عوناً ليعلى أوقات شدّة مرّت سلاماً بفضلها. قلت لها: صافيا سأكتب عنك حكايةً يقرأها الناس. ضحكت وقالت: ستكون أول من يكتب عني. قلت: بعد ذلك سيكتب عنك كل مترجم يأتي إلى هنا وستكونين حاضرةً في كل لغات العالم. 
فيروز صباحاً. الهواء يُلاعب أجنحة العودة قبل انطلاقها. القهوة أكثر مرورةً من ذي قبل. كلمات قليلة لخاتمة جميلة وخاطفة. ثلاثة أشهر مرّتكالحلم بجانب العمر. سترجع يوما تقول صافيا. سأرجع يوما أقول ما دامت الحياة في بلدي تتقلّص كدودة مذعورة. المحطة والمطار بوابتانللرحيل. ولكن تبقى الكتابة جسراً دائماً لحياةٍ تظل أخرى!


أخبار ذات صلة