بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

26 حزيران 2020 12:00ص في المستشفى!

حجم الخط
لا يدخل الشّعرُ المستشفى. يظلّ على أعتابها أو في غرف الانتظار الباردة. فالناسُ هنا بلا عناوينَ خارجيّة. ألمُ اللحم يطرحُ الأسماءَ كلَّها، والدمُ المسحوب على عجلٍ يفرِّقُ الشّمْل. 

هنا تتقلّص الآمال الإنسانية كدودةٍ تحت ملْح الأوجاعْ، وتتعلّقُ بالأمصالِ المشفَّرة الأهدابْ. من أنتَ/نحن سوى قشرةٍ برانيّة ينزعُ سِتْرَها الأنينُ المرّ في ممرّات الليل الضيّقة، ويخدشُ حياءَها المنظارُ الالكترونيّ الوقح. فالعميقُ فيك ليس منكَ في شيء. وجهك بلاغةُ الجرْح، وجسدك جغرافيا للحمام الأبيض. 

رقمٌ في غرفة لا يتّسع وقتُها للأحلام يختزلُ وجودَك. الشمس يحملُ إليك بعضَ خيوطها عصفورٌ يلهو بجانب شبّاك متثائبٍ كالنّهار. والقمر ينامُ أعلى من جبينك المكسور فوق سرير لا يُشبه أيامك. حديقةُ أفكارك محتجبةٌ كسماء شتويّة. 

والممرّضون ينادون على أعضائك كلٌّ باسمه؛ فتنسى نفسَك، وتتشظى فوق مرايا ابتساماتهم المعلّقة كالملابس الفاخرة، وإجاباتهم السريعة كالحقن البلهاء. تخذلك اللغة؛ فلا تجدُ مجازاً لائقاً يُبْعِدُ أنفاسَ الجدران القاحلة عن رئتيك. والوقت بطيئاً يمرُ من ثقب إبرةٍ توخزك كلّما فكّرت أن تتركَ جسدَك لوحةً لقوْس قزح وتغادر. 

آلاتٌ تحاصر بصرَك وسمَعَك، فيما يداك عاجزتان عن قطف أغنيةٍ لإيقاظ شجر الضجر الذي أرخى غصونه في قلبك. بئرٌ سحيقة تضجّ في كيانك؛ فكأنك رجعُ الصدى لغريبٍ عنك أو لوجه يوسفَ في الماء الشحيح. تمشي خائفاً على خيْط الذكريات نحو زوايا روحك الحادّة. فأنت مذْ سكنتَ لحْناً آدمياً بين أوتار الألم الممتدّ فيك كالأرخبيل، نسيْتَ هيئتَك الأولى. 

مثلَ ساعة حائطٍ تطوي جناحيك عند تمام القلب؛ فيُناديك صبيٌ من خلف خطوط يديك، يحملُ إليك البحرَ، وفي عينيه موجٌ يلوّح لك بالغَرَق اللامرئي. العزلة بابٌ وستارةٌ يؤجلان يقظةَ السوْسَن في حواسّك المطليّة بنعاس الكهف. وجوهٌ على جلْدِ الغرفة تُلقي السلامَ على فرسٍ تحِكّ بصهيلها ضهرَ الغابة في صدْرك.

 تجْمَعُ لحمَك الرخيص في وطنك، وتحرصُ عندَ خروجك من نفق السلامة على وعدٍ أشعلت عودَ ثقابه مرّاتٍ في العتمة التي عضيّتَ على شفتيها الغليظتين. يمتلئ الوقتُ بالوقت... وسلّةُ الفجر تقود خُطاك الثقيلة إلى الحقل ثانية.

أخبار ذات صلة