عامٌ جديد نحن على مشارفه. ندخله وضبابٌ كثيف يحجبُ عن أعيننا الرؤية. العرّافون وحدهم سيتصدّرون المشهد الإعلامي في ليلة القبض على سنة ٢٠١٩ وهي تنصرم، كأنها تخرج من مكان ضيّق في صدورنا أو كأن قلوبنا رُبطت فيها بحبل غليظ، فنراها تصعد معها إلى الأعلى، أكثر فأكثر؛ حتى تُطل في النهاية على المشهد الفظيع للهاوية. سنةٌ جديدة تهبُّ علينا كعاصفة هوجاء، تُبعثر حياتنا، وتقلِب علينا القديم المُرتّب وفق حسابات للنفوس لامتناهية في الصغر. لا شيء بعد الآن سيبقى في مكانه حارساً للوقت الضائع. لا شيء سينام مطمئناً تحت غطاء الفراغ الدافئ.
النوافذ ستُعطي حصّتها من الأسرار إلى الليل الطويل، والأبواب ستفتح للنهار القاسي شوارعها الخلفية. إنّه يوم السّيل الكبير في غير اتجاه. فبعد اليوم لا شيء سيقف عند موعده المحدّد. لا العين ستألف الحركة أو السكون، ولا الأذن ستفهم ما يُلقى عليها من أحاديث وأخبار. المؤجّل وحده يستبق كل المواعيد، ويتركها تقف في صف انتظار يمتدّ إلى حدود اليأس. ندخل العام الجديد وضبابٌ ملّون كثيف يحجبُ عن مناماتنا الرؤيا. فالأسرّة خاليةً باتت من قناديل الأماني المشتعلة. الأفكار تُساق أمامنا مكبّلة بالخراب في سلسلة طويلة من الظلام المشعّ بقوة. الناس ليست على دين ملوكها. العروش تفرّ حاملةً معها أوزارها.
ثمّة جديد لا يُشبه الجديد في شيء. هو جديد لكنْ في جيبه يحمل كل العناوين القديمة، ويحتفظ ببطاقات معايدات لأناس إما رحلوا بعيدا أو خرجوا ولم يعودوا. تاه بعضهم في الحقل الملتهب، والبعض الآخر غرق في أصوات الحديد المُنتشي بالصدأ. الهتافات أوراق نقدٍ انكسرت أجنحتها، فراحت ترعى المكائد بين أكواخ الفقراء. والفقراء الحقيقيون يطبخون ما تبقى من أملٍ ضئيل ليسدّ جوع أطفالهم المعلّقين في السماء. الأسماء تُمطر فوق الجميع، والناس يمسحون عن وجوههم نهارات صمّاء. لا أحد سيعرف من يكون حينما ندخل كلنا المحنة واحداً ونخرج منها شتى.