بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

11 تشرين الأول 2019 12:00ص لعلّها المهنة الوحيدة!

حجم الخط
أن نصمد، لعلّها المهنة الوحيدة المتبقية لنا في هذا البلد. صحيح أنّ الصمود أو البقاء شأن غريزي في الأصل عند الكائن الحي عموماً، إلا أنّه عند اللبناني فنٌ طويل وراسخ في القِدَم، لا ينتهي واحدنا من طلب تعلّمه ما دام على قيْد الهوية اللبنانية. 

أن تصمد، لا لأنك تخرج بعد كل حرب سالماً أو أقوى من ذي قبل، بل لأنك تبتكر في كل مرّة حيلةً على الموت: أن تقبلَ بموتٍ موجّل يرتدي قناع الحياة. ربما هي لعبة الذاكرة ورهانها الخطِر: أن ننسى البارحة كي يكون لنا ثمة غدٌ ممكن.

بعضنا ما يزال يقف على نقطة الرجاء ولو جاءت في آخر سطرٍ من دم. وبعضنا الآخر قد اختار أن يغلق كتاب المجاز الكبير، وأن يعلّق حياته على فاصلة مواربة أو استفهام جديد في نص مختلف تماماً. 

أفكّر في كل الراحلين عنّا طوعا، الذين قرروا بأن لا تكون حياتهم قسمةً غير عادلة مع أحد عن إكراه وتسلّط، والذين أدركوا عن حقّ بأنّه في السقوط الحرّ للأوطان وللدول لا قيمة لأعمارهم أبداً. 

وحدهم الباقون على خطّ السنين الملتهب بتوقيت الأرز، يشعلون حرائق الماضي الكبرى كي يضيئوا بها فتات المستقبل المشلول. مستقبلٌ لا يأتي ولا يذهب. لا نختار الصمود عن إرادة حرّة. ربما هو الذي يختارنا عنواناً على إنسانية بطَعْم الفوات.

أن نصمد وسط الخراب لا تعبيراً عن قوة فائضة فينا بل من أجل أن نصبح مجرّد علامات وقفٍ عليه. 

وأن نصمد في قلب المعمعة ليس بسبب قدرة استثنائية في تاريخنا على اجتراح الحلول وإيجاد المخارج الصعبة بل لأن نفوسنا استأنست العيش في الدهاليز الضيّقة للأشياء. باتت تُرعبنا المساحات المفتوحة. فكل ما نعجز عن تسييجه بصغائرنا نحوّله إلى ساحة حرب، ونرمي به في النار التي تضيء ليلنا من غير أن تبّدد ظلامه. 

أخبار ذات صلة