بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

23 آب 2019 12:33ص ما العمل؟

حجم الخط
ما العمل؟ سؤال يضربُ موعداً مع أبعد الأشياء غوراً في النّفس، عندما لا تعود ترى أمامها في الأفق غير سراب الكلمات المتحرّكة على إيقاع الرتابة اليومية، وقد حوّلت حيوانَ العمر الى ثعبانٍ يزحف من جحر الى جحر! الكلّ يبحث عن أجنحة لجواب يأخذهم إلى ما لا يهجعُ فوق وسادَة ليلهم، مهما كان حالكاً وطويلاً. تنهض الأحلامُ كالزّهور في فسحة الضوء والحرارة، حين ننامُ على ضهرِ غيمة عابرة، ونهجرُ بطونَ أسرّتنا الموتودَة بالأرض. العابر ثمنُ كلّ عبور! أن تكون جارَ نفسك، تقيمُ على مسْمعٍ منها، وتغلقُ عليها أبواب اليأس، كلّما تسرّبت من تحت عتبةِ الأمل رائحتُه، إلى أوراقك العذراء وقهوتك الصباحية. فنجانك تُبصر فيه طعمَ الغائب في حقول البُنّ البعيدة عن أعين المقاهي المزدحمة بالسخط والشكاوىَ. تنسىَ نفسك على حبل الأفكار أو في مشرحِة الوقت. تبحث عن سُترة مضادّة للخيبات. لا يجابَهُ الموتُ إلا بالوداع. وداعاً طويلاً تقول للأشياء والمرايا. تنكسرُ الصور كقطع الثلج في كأس عينيك المزرْكشتين بأنواع التّعب الوطني والمستورد من بلاد الإغريق، وتذوبُ سريعاً كابتسامة خرقاءَ وسط العزاءِ الرّصين. أخرقَ عليك أن تكون، كي تخرقَ أكداس الوصايا المتكوّمة كالدّهون فوق جِسْم ثقافةٍ مُقْعدةٍ، ومع ذلك، تصرُّ على توجيهك تارةً بالاشارة الحاسِمة، وطوراً بالعبارة البالغة. صاغراً ستَلقىَ نفسكَ تحت أقدام الرّايات! تصرخُ بأخفض صوتٍ لك، كي توقظَ الموتىَ الأحياء فيك، ولا تزعجَ الأحياء الموتىَ خارجك. تقلّب الأبجديةَ على قلقٍ مستبدّ، تُمزّق منها عباراتٍ كثيرة خدعتك حركاتُها، فوقَعت في نَصْبِها وكسْرِها وجزْمِها؛ وتشنقُ في ساحَتِها كلماتٍ راودتك عن نفسك التائهة، على أعوادِ حروف سكنت الهاويةُ بين أسنانِها، وكنت ترى فيها عن عماءٍ شَسَعاً من الضوء. لكنّ المعانيَ في حارتِك الصغيرة، كالعجائز تُثرثر على أسطح العمر المتداعية، وفوق أنقاضٍ لا تُضيئها سوى العتْمةُ، يتبدّل جلدُها كلّما أنضجته الهزائمُ الكبرى. تنسىَ نفسَك فتقول: ما العمل؟

أخبار ذات صلة