غالباً ما يُطرح هذا السؤال في حياتنا. قد نجده منتصباً كاللافتة التي يُفترض بها أن تدلَّ على الطريق، في ميادين عدّة متفاوتة: في السياسة والاقتصاد، كما في الفن والأدب، وحتى في الرياضة. أيهما أفضل هذا الزعيم أم ذاك؟ هذا الفنان أم غيره؟ هذا اللاعب أم منافسه؟ وكأننا في كل ذلك، مطالبون بتقديم إجابة واضحة وصريحة وفورية أيضاً، لمجرد أن يَطرح علينا أحدٌ ما هذا السؤال، سواء في حوار ودّي أو وسط نقاش حادّ. و»عيبٌ علينا» لو حاولنا التملّص من الإجابة أو تقصُّد المراوغة فيها؛ لأن مثل هذا السلوك قد يُعتبر ضرباً من ضروب الخيانة (بحال تعلّق الأمر بالسياسة) أو نوعاً من قلّة الفهم، أو نقصاً في البصيرة (بحال تعلّق بميادين أخرى)! ولا يخفى على أحد مدى ارتباط العرب بهذا السؤال وما يتفرّع عنه (خصوصاً بالدين). وهو في كل الأحوال، ينمّ عن عقلية أقل ما يمكن أن توصف به، أنها جامدة، ضيّقة، ترى إلى الأشياء عموماً ضمن تراتبيّة هرميّة، حتى ولو أتت مخالفةً لنظام الأشياء وطبيعتها. وعلى هذا الأساس ينقسمُ العالم بحسب هذه العقلية الصارمة، إلى أبيض وأسود، وإلى شرّ مطلق وخير مطلق، وتنعدم بالتالي الطريق الوسطى بين الأشياء والأفكار. ولكم من المآسي شهدنا في الماضي، وسنظلّ (على الأرجح) نشهدُ في المستقبل، جراء التصنيفات العنيفة التي أنتجتها وتُنتجها مثل هذه العقلية التي تتشبّث بأوراحنا، فتُقفل عليها أبواب الحياة الواسعة، وتحبسُها داخل غرف تفتيش، أو في أنفاق سريّة تربّي الظلام. لا ينمُّ سؤال «من هو الأفضل؟» عن ذكاء صاحبه بل عن غبائه، ولا يُشير إلى التفكير بل إلى حدوده، ولا يدلّنا على الحقيقة بل يلوي عنقها تماماً.