ها قد أطلّ شهر الرحمة مجدداً بعد أن كاد الكربُ الشديد يهوي بالنفوس إلى دركات اليأس والقنوط. فالرحمة الحقيقية تنزلُ من السماء؛ تتطلّع نحوها العيون والأفئدة كلما امتلأت الأرض بالظلم وبلغت الأحزان الجبال.
شهر رمضان المبارك يعود والناس أحوج إليه في هذا الوقت العصيب الذي ينتشر فيه وباءٌ عالمي مجهول (الكورونا) يُهدّد حياتهم، وفقرٌ عظيم قد حاق بهم وجعل مصيرهم في مهبّ الريح. شهر الصوم والدعاء، وشهر المغفرة والخيرات، يأتي إلينا كعادته في كل عام، محملاً بالبركات والأنوار الربانية، فتُفتَح معه أبوابٌ عظيمة من الخير والعطاء، لا يُردّ عنها سائل ولا محروم ولا تائب؛ وفيه يُسارع الناس في الطلب إلى الله عزّ وجلّ والتضرّع إليه لرفع البلاء عنهم وقضاء حوائجهم بعد أن استبدّ الظلم في مجتمعهم بما كسبت أيدي المسؤولين وأولياء الأمر فيه، وبما راكم الناس من الصمت المريب تجاه سياسات فاشلة وانتحارية لم تتوقف عجلتها الرعناء إلى اليوم، أوصلت في نهاية المطاف البلدَ بأكمله إلى حافة الانهيار الكبير.
سنوات طويلة من سياسات «اللارحمة» السائدة في كل مضمار تنهش بلحم المواطن اللبناني وتفتّت عظامه الضعيفة، حتى اذا ما صار سراب إنسان أو شبح مواطن تحت قنديل دولة يكاد زيته الشحيح ينطفئ من عصف رياح الفساد به، ألقت به في غياهب الحلول الميّتة والفاسدة أو في أحابيل تلك المستوردة من الخارج، ولو أتت على آخر ما تبقّى من أمل للناس في الحفاظ على استقلال دولتهم وأملاكها المنهوبة.
وفي وسط كل هذا الخراب الذي يتمدد ظلّه الأسود في كل مكان، ويلتف كالأفاعي الجائعة حول رقبة الطبقات الاجتماعية المتوسطة والمقهورة، ينشغل المسؤولون، ولا يزالون، في اقتسام كل شيء حتى الرماد الذي يتحوّل إليه الوطن. في رمضان المبارك فرصة للعودة إلى الله ومراجعة الذات وتصفية النوايا. إنّه بحق شهر مكافحة الفساد. فهل نحن عازمون؟!