بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

17 نيسان 2020 12:00ص وجوهُ الفقراءِ بلون البحر!

حجم الخط
هوذا الوقت يجلسُ قُبالتي. الذئبُ الذي يسرقُ منّي أياميَ الغافلةَ كأنّها دواجنٌ في مزرعة الرّيح، أُحدّقُ الآن في عينيه المخيفتيْن، وقد انقلبتا إلى أرجوحتيْن معلّقتيْن فوق شارع بلا طريق. أحدّثُه فلا يستجيب لي. أقرِّعُه فيرميني بنظرةٍ غير مبالية تماماً. يضيقُ العالمُ في غرفتي المُتّسعة بغير أفق. 

يتكوّر الوقتُ في زاويةٍ منها كعقربٍ خائفٍ؛ يلدغُكَ بالصمت الثقيل كلما أرغمتَه، ولو بطرفِ فكرةٍ تمدُّها نحوه بارتعاشة طفلٍ أمام قصّة المساء، على التحرِّك من مكانِه. إنّه هناكَ يقفُ على نقطةٍ في حياتك لا يستطيعُ فيها سطرٌ جديدٌ أن يواعدَ بعدَها الكلمات. بياضٌ يسجنُ حبرَ العمر خلفَ خطوط تلاشيه الناعمة؛ كأنّما خيطٌ من حرير يشنقُ المعانيَ في مهاجع قصورها. 

ينام الوقتُ فوق وسادة القلَق التي تُلقي إليها رأسَك كلّ يومٍ كظلٍّ مكسور. تسمعُ له أنيناً فوق الجدران المشلولة من حولك. يغفلُ الوقتُ عن الوقت. يمرُّ ولا يمرّ. يطولُ ويقصرُ في اللحظة الواحدة مرّات. تحتجُّ الأيام والأسابيع والشهور؛ فتسودُ فوضى الزمان الشقيّ في ذاكرتك المخطوفة. لستَ مِنْ هنا: تقولُ كمنجةٌ انزلقت بين ضلوعك المشدودةِ على وتر كئيب. 

الوقتُ الذي كان يجرُّنا خلفَه كخيطٍ من دخان، يحترقُ الآن كجمر الأحلام في الليل الشديد! هل ثمّة من يُطفئ النار؟ هل ثمّة من يوقدُ الآمالَ المُتبقيّةَ في الرماد؟ تصرخُ النوارسُ على المراكب الغارقةِ في سماءٍ مُبْهَمة. 

وجوهُ الفقراءِ بلونِ البحر والموجُ يملأ عيونَهم بأحزان الشاطئ. من سيُضيء الملحَ في أكفّهم الشاحبة إذا ما مشى الجوعُ بين أصابعِهم؟ من سيأخذُ بأيديهم الملبَّدة بالغيوم إلى النجاة البعيدة إذا ما جاءَ الفقرُ يدقُّ أعناقَهم الطريّة؟ من سيهجُم على العطش المُقبل كأجنحة الصحراء بأسنان الجفاف التي صقلَها الفسادُ حتى صارت عاجزةً عن عضّ الهواء؟ من سيحرسُ النجوم الأخيرة المرتعشة على درب الوفاء الضيّق وسط غابةٍ أشجارُها الخيانة؟ ينامُ الوقت على كتِف الوقت. فمن ذا الذي يوقظه؟! 

أخبار ذات صلة