بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 تشرين الأول 2019 02:13م أكثر من حكومة «كفاءات».. ما هي أبرز عناصر «التكنوقراطية»؟

تفاوت بنتائج التجارب السابقة وتعريفات غير شائعة

حجم الخط
أول ما يتبادر على الأذهان عند ذكر مصطلح "حكومة تكنوقراط"، هو أنها نوع من أنواع الحكومات التي تعتمد على الكفاءات، وتؤلف من النخب المتخصصين بمجالات مختلفة كالإقتصاد والطب والهندسة على أنواعها والعلوم المتعددة، وهو تعريف شائع وصحيح، ولكن هل يقتصر مفهوم التكنوقراطية على هذا الشرح؟

إذا أردنا أن نطّلع على بعض التعريفات الوافية أكثر للمصطلح، فنجد أن البعض عرّفها على أنها مذهب سياسي يمنح أهل العلم والاختصاص "التكنوقراطيين” نفوذاً سائداً على حساب الحياة السياسية نفسها، أما آخرون فيعتبرونها حكماً للخبراء غير المنتخبين، أو الأكاديميين اللامعين، الذين يفترض بهم وضع مصلحة البلاد فوق مصلحة أيٍّ من الجهات السياسية أو المناطقية أو العرقية.

وبهذه التعريفات نكون قد بدأنا بالفصل بين الكفاءة والسياسة، وبين الديمقراطية بشكلها الحالي المتمثل بانبثاق وجوه السلطة عبر الإنتخابات، والتعيين على طريقة أصحاب الشركات، كون القرارات التي يتخذها التكنوقراطيون تستند إلى معلومات مستمدة من المنهجية العلمية بدلاً من الرأي العام، والأشخاص الذين ينضمون إليها عادة لا ينتمون إلى أي حزب سياسي.

ولكن هل يعتبر الرجل التكنوقراطي مستقلاً؟

تبعاً لمفهوم التكنوقراطية، فالرجل التكنوقراطي هو أحد رجال الدولة الذي يملك صنع القرار، ويشغل منصباً مهماً دون انتخابه، ويكون من الخبراء في مجال عمله، ومكلفاً بأداء مهام معينة خلال فترة مؤقتة، إلا أنه سيبقى تابعاً للجهة التي رشحته، ولا يمكن اعتباره مستقلاً بكل ما تعنيه الكلمة، وسيتبع ربما على نحو لا إرادي لانتماء ما، أو إلى كتلة ما، أو إلى رجل أعلى منه كان سبباً في تعيينه.

هل من الضرورة أن يكون رئيس الوزراء تكنوقراطياً؟

في بعض الحالات، شهدنا تكنوقراطيا يترأس الوزارات، لكن هذا ليس أمرا ملحا، ذلك لتشعب الاختصاصات التي يتطلبها تسيير أعمال البلدان، وإستحالة ان يجمع رئيس الوزراء الخبرات لفهمها جميعا، ولا حتى الأغلب منها، تلك التي من المفترض ان يتصف بها أعضاء حكومته التكنوقراطية. لهذا السبب فإنه من الممكن تنصيب رئيسا للوزراء من أحد الاحزاب الرئيسة، أو أن يكون مستقلا تكنوقراط في مجال معين، كما حصل عام 2011 في اليونان وايطاليا عندما وصفا رئيسي الوزراء هناك بالتكنوقراطية، كونهما خبراء إقتصاديين.

التجارب "التكنوقراطية"

اذاً، وبحسب التعريفات السابقة، فالدولة من وجهة نظر التكنوقراطيين باتت تحتاج لحكومة علمية تقنية، تعمل على البدء بدراسة أوضاع الدولة الاقتصادية والصناعية والزراعية، وإيجاد حلول سريعة وعلمية لمشاكلاتها والأزمات التي تعصف بها. وأول شرارة لانطلاق هذا المصطلح كانت بهدف إدماج "العُمال" في صنع القرار من خلال الشركات القائمة، كتطبيق لـ"الديمقراطية الصناعية". وكان ذلك عام 1919 بعدما استخدم المهندس الأمريكي هنري سميث مصطلح التكنوقراط - Technocracy في مقاله الطرق والوسائل لكسب الديمقراطية الصناعية الذي نُشر في مجلة الإدارة الصناعية.

إلا أن الإنطلاقة الفعلية لهذا المفهوم، بدأت قبيل الحرب العالمية الثانية، بعدما أكسب هاورد سكوت مفهوم التكنوقراطية قوة شعبية تحولت إلى تيار سياسي أميركي سُمِّيَ حركة التكنوقراطيين عام 1932 في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمَّت العديد من المهندسين، والصناعيين والمعماريين والإقتصاديين المشتغلين بالعلوم، الذين قاموا بدراسة الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والزراعية والصناعية، ودراسة الظواهر مختلفة الناشئة في المجتمعات؛ بغية إستخلاص القوانين التي تُستخدم في الحكم على هذه الظواهر وإيجاد الحلول لها.

وركزت هذه الحركة على إلغاء دور المال في تحديد نهج الدولة، الأمر الذي يجعل من البلدان والمجتمعات بلداناً مستهلكة، والإستعاضة عنه بالاهتمام بالتطور المستدام النابع من قاعدة الموارد المتوفرة، بدلاً من الاهتمام بالربحية النقدية.

ولم يكتب لها الإستمرارية في أميركا، نظراً لعدم قدرتها على التأثير الجماهيري بعد حملة الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت الذي وعد في برنامجه آنذاك بحل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وغيرها من الأزمات، مما يعطينا انطباعاً أن حكومة تكنوقراط غير منتمية سياسيا تعتبر "ضعيفة" ومعرضة الى الاستهداف وتحريك الشارع ضدها من دون أن تجد من يدافع عنها، وهذا ما يمكن أن يصعب مهمة هكذا حكومة في لبنان، رغم المطالبات الشعبية الحالية بحكم على مبدأ الكفاءة في الوزارات.

إلا أن هذا النوع من الحكومات أثبت فعاليته في العديد من الدول التي كانت على شفير الانهيار، مثل الصين بعد استتباب الثورة الصينية، وهي قادتها لأن تكون ضمن أقوى اقتصادات العالم حتى اليوم، فعندما اعتمدتها، في الثمانينات، ساهم ذلك في تقدم المجال الزراعي والمجال الاقتصادي والمجال الصناعي فيها.

منتقدو هذا النوع من الحكم، يعتبرونها طريقاً للتعدّي على حريات الأخرين كونها حكومة تُستخدم لخدمة القوانين التي وضعها التكنوقراطيين، وبالتالي قد لا تتجانس مع طبيعة المجتمع. إلا أن أنصار هذا التوجه يعتبرونها حلاً للمساعدة في بناء الثقة الجماهيرية، خصوصاً في البلدان ذات الديمقراطيات الفتية نسبيا وغير المستقرة في بعض الأحيان.

وغالبا ما تذهب البلدان لتشكيل حكومات تكنوقراط عند فقدان الحكومة لثقة ودعم البرلمان لها، وكذلك لاسباب أخرى متعددة منها قانونية، او دستورية، أو سياسية، بالإضافة الى أسباب واقعية منها تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفساد المالي والاداري، تليها دعوة الى إنتخابات مبكرة، تهدف الى اعادة انتاج أوجه جديدة في مراكز الحكم.

المصدر: "اللواء"