تجوب البلد اعتصامات وتحركات مطلبية تُنذر بتعطيل المؤسسات العامة بما فيها مصرف لبنان المركزي، ذلك على خلفية مشروع موازنة العام 2019 وما تضمنه من إجراءات تقشفية قاسية على موظفي القطاع العام لفعليين منهم والمتقاعدين.
الأزمة الأكبر تمثلت في دخول موظفي لبنان في إضراب مفتوح يُنذر بإرباك مرتقب على مستوى العمليات المصرفية والمالية لمصرف لبنان، وفي تفاصيل أزمة موظفي مصرف لبنان فهؤلاء لم يستفيدوا من سلسلة الرتب والرواتب التي أعطيت لموظفي القطاع العام، ذلك أن النظام القانوني للمصرف يُبعده عن المسار الإداري للقطاع العام. فلدى المصرف موازنة مستقلة، ولا يقبض موظفوه من مالية الدولة كباقي موظفي القطاع العام.
ولم يُطالب موظفو المركزي بحصّة مماثلة للزيادات التي لحقت برواتب موظفي الدولة، فنظامهم الخاص يكفل إصابة رواتبهم وحوافزهم المرتفعة بالحَسَد من قِبَل موظفي الدولة الخاضعة رواتبهم لوصاية وزارة المال.
إضراب مفتوح
قرار الحكومة بإعداد موازنة تقشفية للعام 2019، تتضمن المس برواتب وتعويضات وحوافز موظفي الدولة، تمدد القرار هذا ليطال أيضاً موظفي المصرف المركزي، الذين يخوضون إضرابات وإعتصامات ترفض المس برواتبهم «وبالأشهر الأساسية والإضافية التي يتقاضاها موظفو المصرف، والمستحقة لهم بموجب القانون الذي ينظّم عمل المصرف الذي ليس له علاقة بمالية الدولة»، حسب ما تؤكده الجمعية العمومية لموظفي مصرف لبنان، التي تشير إلى أنه «إذا أقرّت الموازنة كما هي وكانت فيها البنود المتعلّقة برواتب موظفي المصرف، أو بالتقديمات الملحقة برواتبهم، فإن الإضراب سيكون مفتوحاً بدءاً من اليوم الإثنين، حتى تتراجع القوى السياسية عن القرارات الجائرة التي اتخذتها بحق الموظفين».
ووضعت الجمعية قرار المسّ برواتب الموظفين، في إطار «الهجمة على مصرف لبنان»، واصفة إياها بأنها «مبرمجة لهدم وتخريب المصرف». وأبعَدَت الجمعية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن مشهد الإضراب، لافتة النظر إلى أن «الحاكم تمنى علينا أن لا يكون الأمر (الإعتراض) أكثر من بيان لكن قرارنا نقابي مستقل».
خطر على الحكومة؟
على صعيد الموازنة العامة ففي حال لم تقرّ كما هو مطلوب بمؤتمر سيدر فإن ذلك سيشكل خطراً على الحكومة بحسب وزير الاقتصاد السابق دميانوس قطار الذي رأى في حديث له أن الموازنة تفتقر لملحق السيناريوهات فاذا تراجعت الواردات ماذا نفعل؟ كانوا في السابق يذهبون باتجاه الاستدانة واليوم اصحبت الاستدانة صعبة.
ورأى قطار «ان النهج الذي نسير به قد يوصل الى توحد اركان السلطة باتجاه انتاج موازنة من دون الاصغاء الى اي ديناميكية اعتراضية مستقبلية وهو امر واضح من الآن»، ، مشيرا الى «ان عدم اقرار الموازنة سابقا يعود الى نية اركان السلطة بالانفاق وعدم استعدادهم للجباية الجدية»، مؤكدا «ان دولة من دون موازنة لا يمكنها تطبيق السياسات».
وفي السياق عينه، اضاف: «يحاولون اعداد موازنة بأرقام مقبولة دوليّاً للحصول على اموال سيدر» لافتاً الى ان « التقشف المطلق لا يكفي في اقتصاد حر لان التقشف يؤدي الى انكماش والى هجرة الطبقة المرتاحة اما ما نحتاج اليه هو تقوية الاقتصاد وآليات تحفيز اقتصادية».
اعتراض المصارف
وفي إطار الحديث عن رفع معدل الضريبة على الفوائد، رأى رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه، أنه «لا يمكن فرض ضرائب إضافية في وقت الأزمات الاقتصادية. من هنا، فإنه بالنسبة إلى الودائع الموجودة وتلك الآتية إلينا، لا يجب أن يتحول النظام الضريبي اللبناني إلى نظام طارد للاستثمارات. نحن نريده أن يكون نظاماً جاذباً للودائع. وبالنسبة إلى تخفيض الفوائد على الودائع، فإنه بمجرد أن تظهر في الأفق انجازات، سواء كانت على صعيد الموازنة أو لجهة ترقب تنفيذ خطة الكهرباء، أو ما وعدنا به من بدء التنقيب عن الغاز والنفط في نهاية العام، فإن كل هذه الاشارات الايجابية عندما ستبدو مؤكدة، ستنخفض الفوائد وسيستفيد من ذلك ليس القطاع العام وحسب، إنما أيضاً الاقتصاد بشكل عام».
ورفض طربيه، «توجيه أصابع الاتهام الى المصارف»، ويقصد بذلك من يقترح تأمين واردات للدولة من خلال فرض ضرائب على المصارف وليس على المواطنين. واعتبر طربيه أن هذا الاقتراح هو «هجمة على المصارف وجمعية المصارف»، معتبراً أن هذا الاستهداف «له أسباب لا علاقة للمصارف بها، بل هو استهداف للبلد ولاقتصاده. وأنا أسأل: ماذا يمكن ان يقال عن المصارف التي تمول الاقتصاد اللبناني، وحجم تسليفاتها له تفوق الدخل القومي في لبنان، كما أن حجم تسليفاتها للخزينة أبقت الدولة اللبنانية مستمرة برواتبها ورواتب اجهزتها؟. إن كل ما تقوم به الدولة منذ 25 سنة إلى اليوم قائم في جزء كبير منه على التسليف المصرفي».
زيادة على البنزين
الى ذلك يستمر سعر صفيحة البنزين بالارتفاع في لبنان، متخطياً كافة الخطوط الحمراء، ومتجاوزاً سرعة ارتفاع سعر برميل النفط العالمي، ومعاكساً بالطبع مسارَ سعر النفط، الذي ارتفع خلال الشهر الفائت إلى 75 دولاراً للبرميل، قبل أن يعاود الإنخفاض إلى 72 دولاراً للبرميل، في حين أن سعر البنزين في لبنان لا يزال مستمراً بالارتفاع. وقد سجّلت صفيحة البنزين 98 أوكتان، يوم الأربعاء الفائت ارتفاعاً على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة، بقيمة 5500 ليرة، أي بنسبة فاقت الـ20 في المئة عما كان عليه سعر الصفيحة.