على عكس ما تداولته بعض وسائل الإعلام اللبنانية حول موافقة وكالات التصنيف الائتماني تأجيل التصنيف لستة أشهر، أصدرت وكالتي التصنيف قراراتها تجاه لبنان، خلال الأسبوع الفائت، فقررت وكالة «ستاندرد أند بورز» إبقاء تصنيف لبنان عند مستوى B-، أما وكالة «فيتش» فخفضت التصنيف إلى CCC.
الواقع اللبناني
وذكرت وكالة «فيتش» في تقريرها، في توصيف الواقع اللبناني، أنه «لا توجد خطة متوسطة الأجل ذات مصداقية لتثبيت الدين الحكومي». ولأن تخفيض التصنيف يدل على عدم الثقة حيال لبنان، رأت الوكالة أن الثقة الضعيفة تنبع «من عدم الاستقرار السياسي المحلي وعدم فعالية الحكومة، وتدهور النمو الاقتصادي والمخاطر الجيوسياسية، بما في ذلك السياسة الأميركية ضد إيران وحزب الله، وضعف العلاقات بين لبنان ودول الخليج. فضلاً عن إثارة وزير المالية علي حسن خليل موضوع إمكانية إعادة هيكلة الدين المحلي، لتخفيف عبء الفائدة على الحكومة، والموافقة البطيئة على الميزانية. والمأزق الأخير في مجلس الوزراء في تموز لم توفر أي تخفيف».
وفي السياق، «نظراً لاحتياجات التمويل الخارجية الكبيرة، مع عجز الحساب الجاري بنسبة 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي»، توقعت الوكالة «خفض إجمالي احتياطات العملات الأجنبية لدى البنك المركزي (باستثناء الذهب وغيرها من أصول العملات الأجنبية) إلى حوالى 29 مليار دولار بحلول نهاية عام 2019 و3 مليارات دولار أخرى في عاميّ 2020 و2021 (ما يقرب من 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي تقريباً)».
كما توقعت فيتش أن يبيع المصرف المركزي «أكثر من 3.8 مليار دولار من الأوراق المالية الأجنبية (باستثناء 2.9 مليار دولار من سندات اليورو اللبنانية). وستنخفض احتياطيات العملات الأجنبية إلى أقل من 60 في المئة في عام 2019 وإلى 48 في المئة في عام 2021، والتي ستكون الأدنى منذ فترة 2000-2002، عندما وصلت النسبة إلى 37 في المئة».
وزارة المال
في المقابل، أسرعت وزارة المالية في إصدار بيان، رداً على التصنيفات الائتمانية الجديدة، لفتت فيه الى أن ستاندرد أند بورز استندت في قرارها على نقطتين اساسيتين:
1- بدء الإصلاحات الهيكلية في المالية العامة في موازنة 2019، والتي ستستكمل بإصلاحات جديدة في موازنة 2020، وخصوصاً في الجمارك والمشتريات ونظام التقاعد والتهرب الضريبي وقطاع الكهرباء، ما سيخفض عجز الموازنة برأيها تدريجيا إلى 4,8 من الناتج القومي في العام 2022.
2- تتوقع الوكالة استمرار مصرف لبنان على القدرة على الدفاع عن الليرة من خلال احتياطه. مؤكدة ضرورة تنفيذ الإصلاحات المرجوة بوتيرة سريعة وخلق الجو السياسي المناسب لتحريك العجلة الإقتصادية.
أما وكالة فيتش للتصنيف الائتماني فاستندت في تقريرها الذي قررت فيه خفض تصنيف الدولة اللبنانية مرتبة واحدة من B- إلى CCC. الى التحديات الناجمة عن ازدياد ضغط التمويل الخارجي من جراء إنخفاض تدفق الودائع في القطاع المصرفي والبطء في تطبيق خطة الكهرباء.
كما وأشار التقرير أن الإجراءات التقشفية في موازنة 2019 ملحوظة، ولكن هنالك تطلع إلى خطة طويلة الأمد للسيطرة على ارتفاع الدين كنسبة من الناتج القومي، كما لحظ التقرير العمل الجدي حول موازنة 2020 وإلتزام الدولة باقرارها في وقتها، ولكن تشكك الوكالة بالتقلبات السياسية المتكررة التي قد تؤدي إلى التأخر في تنفيذ السياسات الاقتصادية المرجوة.
ورأت أن هذا التصنيف هو تذكير للبنان أن عمل الحكومة ليس ترفاً بل ضرورة قصوى في المرحلة المقبلة، بما يتضمن من أهمية مناقشة موازنة 2020 وإحالتها إلى مجلس النواب، الإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء، مكافحة التهرب الضريبي وإطلاق العجلة الإقتصادية من خلال مقررات البيان الوزاري.
سعر الصرف
عمدت الكثير من المؤسسات التجارية والمالية إلى إجراءات تشي بالتلاعب بسعر صرف الدولار، من تلقاء نفسها ومن دون قرار من مصرف لبنان، صاحب الرأي الأوحد في مسألة تحديد سعر صرف العملة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية. وهو حتى اللحظة يرفع شعار تثبيت سعر الصرف، ولم يرفعه إلى المعدلات التي يتم التداول بها، والتي وصلت إلى حدود 1580 ليرة مقابل الدولار الواحد، يتحملها المستهلك.
التسعيرة الجديدة اعتمدتها نقابة أصحاب محال الأجهزة الخلوية، حيث رفعت سعر بطاقات التشريج المسبقة الدفع إلى نحو 40 ألف و500 ليرة، لبطاقة تشريج الشهر الواحد، بعد أن كانت تباع بنحو 38 ألف ليرة. والذريعة هي شراء أصحاب المحال للبطاقات بالدولار، بالتوازي مع دفع المواطنين ثمن البطاقات بالليرة اللبنانية، ما يدفعهم إلى تحمّل سعر الصرف المرتفع الذي وصل بالنسبة إليهم إلى نحو 1560 ليرة.
هذا الواقع لم يأتِ من فراغ، بل خلقه الصرّافون الذين استغلوا اتجاه المصارف التجارية للحفاظ على الدولار في خزائنها، والتقليل من تداوله في السوق. وهو ما رفع الطلب على الدولار وأوهم الناس والمؤسسات بوجود خطر على الليرة يستوجب التخلص منها، خوفاً من انخفاض قيمتها. وعلى هذا الأساس، بات الصرّافون المتنفس الوحيد أمام طالبي الدولار. والصرّافون لم يوفّروا جهداً لاستغلال الوضع، ملقين النتائج على عاتق التجار، الذين بدورهم أحالوا النتائج على المستهلكين، فرفعوا أسعار بعض السلع والخدمات بحجة ارتفاع سعر الصرف.
تهديد الإصلاح
توقع تقرير وحدة الاستخبارات الاقتصادية The Economist Intelligence Unit -EIU- أن تواجه السلطة اللبنانية صعوبات لتنفيذ إصلاحات مالية وقطاعية، لاسيما في الكهرباء، وسط خلافات سياسية وطائفية في بنية الحكم.
التقرير الذي نشره بنك «عودة» الأسبوع الفائت دخل حلبة التوقعات المتضاربة حيال النمو الاقتصادي في 2019، وراوحت بين صفر في المئة، حسب مصرف لبنان، وبين واحد في المئة «نموًا صامتًا» كما توقع التقرير. فيما تقديرات صندوق النقد الدولي والمصرف الدولي تبقى في حدود 0.5 في المئة.
عداء للإصلاح
وفي التقرير، فإن الحكومة اللبنانية حدّدت برنامج تحسين الإدارة المالية وجذب الدعم المالي الأجنبي الذي سيتطلب تعديلات كبيرة في المناطق الحساسة سياسياً، «لا سيما في التعامل مع مؤسسة كهرباء لبنان الخاسرة». وجعلت السلطات هذا الأمر أولوية، بما في ذلك تحسين توفير الطاقة والمالية العامة. كما التزمت الحكومة تصحيحًا ماليًا مدته خمس سنوات لخفض الموزانة 2019-20123. وخفض العجز، بما في ذلك تدابير كبيرة لخفض النفقات وجمع الإيرادات لموازنة 2019. وفي رأي التقرير أن ذلك يستلزم، إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، وتغييرات التوظيف في القطاع العام، وزيادات ضريبية.
«ومع ذلك، فالخلافات التي تعكس المصالح الخاصة لمختلف الجماعات الطائفية سوف تستمر لتقويض عملية صنع السياسات. ويزداد العداء لهذه الإصلاحات، ويهدد بتقويض هذه الجهود». واستدرك التقرير: «سيتم تنفيذ بعض التدابير، لكن ليس على نطاق كاف لإصلاح الهياكل القائمة التي تعطي أولوية لمصالح المجموعات الفردية على الكفاية والفاعلية. وستبقى حالة عدم اليقين السياسي مرتفعة، مما يعوق تنفيذ الإصلاحات الهيكلية».
وتوقع التقرير أن يستمر مصرف لبنان في «لعب دور حيوي للمساعدة على توجيه السياسة الاقتصادية»، بما في ذلك عن طريق تنفيذ برامج التحفيز الاقتصادي، مع حزمة 1.1 مليار دولار أميركي في 2019. سوف يركز أيضًا على السيولة بالعملات الأجنبية والعملات المحلية، وسط مخاوف في شأن سعر الصرف، واستقرار الأسعار، وخزين كبير للغاية من الدين الحكومي يعادل نحو 150 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في نهاية عام 2018. ما يجعل الاستدامة المالية تحديًا متزايدًا.