بيروت - لبنان

3 آب 2023 12:00ص رؤساء زمن الاستقلال كيف وصلوا؟.. «الميراج» تنقل فرنجية إلى بعبدا (3)

بعد 276 يوماً على الشغور الرئاسي و451 يوماً على حكومة تصريف الأعمال

سليمان فرنجية سليمان فرنجية
حجم الخط
276 يوما مرّوا على الشغور الرئاسي في لبنان و451 يوما على حكومة تصريف الأعمال، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر بإنجاز هذا الاستحقاق، وبعد 12 جلسة انتخابية لم تسفر عن أي نتيجة، وفي وقت يواصل الدولار ألاعيبه، مترافقا مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور حياة الناس الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية، وهو ما دعا «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» لأن يشير في بيان له «الى أن الانهيار الذي تشهده الليرة مقابل الدولار الأميركي في بيروت كبير جداً ويستدعي التوقّف عنده»، مشدّدا على أن «المسؤولية الكبرى تقع على الحكومة وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الملاحق في العديد من دول العالم بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستعمال المزوّر».
بشكل عام يتواصل الشغور الرئاسي ويستمر عداد فراغ الكرسي الأولى بالتصاعد، بانتظار إشارة مرور خارجية، عبر توافق دولي، وإقليمي وتحديدا عربي، كان يطلق عليه فيما مضى «الوحي» الذي يحوّله النواب في صندوقة الاقتراع باسم الرئيس العتيد، ولأن «كلمة السر» الحاسمة بشأن الانتخابات الرئاسية لم تصدر بعد ولم يحن أوانها، ليحوّلها نواب «الأمة» الى حقيقة في صندوقة الاقتراع الزجاجية، سيتواصل عداد أيام الشغور في الكرسي الأولى بالتصاعد «حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا».

 بعد 276 يوما يستمر الشغور الرئاسي مسيطرا، ويستمر معه نواب لبنان 2022 في عجزهم عن انتخاب رأس الدولة، مما يشكّل مؤشراً خطيراً عن عمق الأزمة السياسية في لبنان، إذ انه أمام هذا الانسداد السياسي والشغور الرئاسي، يخشى أن يتعمّق الانقسام السياسي وتترهل المؤسسات السياسية الرئيسية للدولة. في ظل انعدام الاهتمام الدولي والعربي في لبنان، الذي كان له دائما حضوره في كل استحقاق رئاسي، كما بيّنا في الحلقة السابقة بين 1943 -1964.
وإذا رأى البعض في معركة الرئاسة عام 1970 التي فاز فيها النائب فرنجية على إلياس سركيس بأغلبية بصوت واحد، انها كانت توازنات محلية أنتجتها انتخابات 1968، التي حقق فيها الحلف الثلاثي ( تحالف يجمع بين: أحزاب الكتائب والوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية) نتائج لافتة، انها لا تعطيه إمكان انتخاب رئيس بقوتها التي لا تتجاوز الـ21 نائبا وتؤهّلها لهذه المهمة رغم تحالفها مع تكتل الوسط النيابي (الذي جمع كامل الأسعد وصائب سلام وسليمان فرنجية).
ربما البعض كان قد اعتبر فوز فرنجية هو ردّا على «اتفاقية القاهرة» التي تم التوقيع عليها في 3 تشرين الثاني 1969 في القاهرة لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، والتي «كان الوحيد الذي عارضها هو ريمون إده» (أنظر شارل حلو - حياة في ذكريات - ص281).
ببساطة، من رجّح كفّة فرنجية هو كمال جنبلاط وكتلته النيابية التي كانت تضم 8 نواب. وما جعل جنبلاط ينتخب سليمان فرنجية هو ما سُمّي بقضية طائرة الميراج، حيث أتهمت المخابرات السوفياتية: الـ «كا.جي.بي» بمحاولة اختطاف طائرة حربية لبنانية لمعرفة أسرارها، بعد الخسائر الفادحة التي مُنيت بها طائرات «الميغ» في الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1967. وإذ نفى السوفيات بشدّة أن يكون لديهم خطط لخطف طائرة الميراج، استنكر كمال جنبلاط والأحزاب اليسارية هذه التهمة، ووصفوا بأنَّها من «بنات خيال أجهزة الدكتيلو» وهي من الصفات التي أخذت تطلق على المكتب الثاني، فكانت أن أعلنت جبهة النضال الوطني النيابية بقيادة كمال جنبلاط تأييدها لفرنجية، ولم يمتثل لهذا القرار النائبين بهيج تقي الدين ومعروف سعد، وقد أسفرت هذه الانتخابات عن نيل فرنجية 50 صوتا وسركيس 49 صوتا في الدورة الثانية، لكن رئيس المجلس النيابي صبري حمادة رفض إعلان النتيجة لأن الأغلبية المطلقة برأيه هي النصف زائدا واحدا، وبالتالي فان هذه النتيجة هي زيادة نصف صوت فقط، فحصل هرج ومرج وفوضى في مجلس النواب، انسحب على أثرها رئيس المجلس الى مكتبه رافضا إعلان النتيجة، فكان أن اتصل النائب رينيه معوض بالرئيس فؤاد شهاب ليعلمه بالإشكال القانوني الذي أثاره رئيس المجلس، فطلب إليه بأن يدعو الرئيس حمادة لإعلان انتخاب النائب فرنجية رئيسا للجمهورية، وفعلا دخل الرئيس رشيد كرامي والنائب معوض الى الرئيس حمادة وطلبا إليه إعلان نجاح فرنجية، مؤكدين له انه إذا أعاد الاقتراع فسيصوّتان لمصلحة فرنجية، وهنا دعا الرئيس حمادة مكتب المجلس الى اجتماع، أعلن على أثره فوز فرنجية برئاسة الجمهورية، ومنذ انتخابه كان الرئيس فرنجية يقول كلما ذكّره أحد من النواب انه يدين له بانتخابه: «انه صوتي أنا» وليس صوت أحد آخر.
في 8 آذار 1976 انتخب مجلس النواب المرشح الوحيد إلياس سركيس رئيساً للجمهورية اللبنانية، بتوافق أميركي - سوري، فنال في دورة الانتخابات الأولى 63 صوتاً ووجدت 5 أوراق بيضاء، ونال في الدورة الثانية أكثرية 66 صوتاً من أصل 69 حضروا الجلسة.
(يتبع)