بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 آب 2020 12:00ص رحيل «أم الفدائيين» في العرقوب المُعمِّرة آمنة خليفة قصب

رحيل «أم الفدائيين» في العرقوب المُعمِّرة آمنة خليفة قصب رحيل «أم الفدائيين» في العرقوب المُعمِّرة آمنة خليفة قصب
حجم الخط
 
 
يُشكّل الرحيل خسارة للأهل والأصدقاء، وتزداد وطأة ذلك عندما يكون الرحيل لشخص له تاريخ نضالي حافل على مدى عقود عدّة، فكيف إذا كان ذلك من أجل أقدس القضايا، قضية فلسطين؟!

هذا ما ينطبق على المُناضلة المُعمِّرة الحاجّة آمنة عبده خليفة «أم فهد»، التي رحلت عن 95 عاماً ميلادياً - ما يُوازي قرناً هجرياً - فكانت نموذج المُناضلة، فتاةً وأمّاً.

آمنة وُلِدَتْ في بلدة كفرشوبا الجنوبية في العام 1925، في منزل المُجاهد عبده خليفة، الذي انخرط في صفوف الثائرين ضد الاستعمار الفرنسي.

تربّت على النضال من أجل القضايا الوطنية، وتكرّس ذلك بزواجها من مُقاوم يشبهها بالنضال، ابن بلدتها محمد يوسف قصب، طليعة الفدائيين في العرقوب، ودليل فِرق الاستطلاع لرصد تحرّكات العدو الإسرائيلي وكشف مواقعه.

يحفظ جميع الفدائيين الذين مرّوا على منطقة العرقوب، اسم المُناضلة «أم فهد»، التي فتحت منزلها في كفرشوبا لاحتضان فدائيي الثورة الفلسطينية منذ وصولهم إلى منطقة العرقوب بعد نكسة حزيران/يونيو 1967، فأمّنت لهم الملاذ، المخبأ والملجأ الآمن، والمنامة بين أولادها، وتأمين الحراسة والحماية لهم عن عيون المُخبرين والعملاء من اعتقالهم، وتضميد جراح مَنْ يُصاب بجراح طفيفة.

دفعت هذه العائلة الضريبة منذ البداية، فاستهدف الاحتلال الإسرائيلي منزلها بقصفه له وتدميره مرّات عدّة، لكن ذلك لم يُثنِ محمد قصب وآمنة خليفة عن موقفهما الثابت تجاه القضية الفلسطينية، فكان يُعاد بناء ما تهدّم مرّات عدّة.

في ذلك المنزل أمضى الرئيس ياسر عرفات «أبو عمّار» فترات عدّة، وكذلك الحاج إسماعيل جبر واللواء نصر يوسف ومحمد مدني والعديد من المُناضلين.

لم تكتفِ «أم فهد» بأنْ تحتضن المُقاومين في منزلها، بل كانت تنطلق مع ابنتيها مبادئ وفهدة، نحو قواعد الفدائيين، حاملات الزاد والعتاد، من مُؤن وذخائر، ومُنبهات الفدائيين من دوريات «الشعبة الثانية» أو الاحتلال الإسرائيلي.

لم يتغيّر ذلك في عز البرد وصقيعه، الذي يقض مضاجع الرجال الرجال، حتى في أوج الصيف، فكيف بصقيع شتاءٍ قارص، وثلوج تتراكم لأمتار عدّة، عند سفوح مزارع شبعا وجبل الشيخ.

اختارت «أم فهد» لبناتها، اللواتي يشبهنها، أزواجاً فدائيين، لم تُفرّق في جنسية أو راية يحملونها، بل كان الثابت لديها الإلتزام بقضية فلسطين، البوصلة التي تعلّق بها قلبها حتى الرحيل.

أنجبت 6 أولاد (صبي و5 بنات):

- فهد: الذي تابع مسيرة عائلته النضالية.

- مبادئ: زوجة ابن بلدتها، المُناضل الدكتور صابر القادري، اللذين استشهدا معاً خلال أحداث «اليوم المشؤوم» في مدينة صيدا، الجمعة في 9 أيار/مايو 2008.

- فهدة: زوجة الفدائي الفلسطيني مصطفى وافي «أبو حسام» (جيفارا العرقوب)، قائد أوّل دورية للفدائيين وصلت إلى العرقوب في بداية العام 1968، والذي كان شاهداً على زواجهما اللواء نصر يوسف (وزير الداخلية والأمن الوطني في السلطة الوطنية الفلسطينية).

- هناء: تزوّجت من السوري شريف نوفل، المُناضل في صفوف الثورة الفلسطينية.

- كوثر: تزوّجت من محمد حمادة «حمودة»، الذي استشهد خلال تصدّيه لقوّات الاحتلال الإسرائيلي في غزو حزيران/يونيو 1982 في محور عين عطا - السلطان يعقوب التي تكبّد فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، وكانت حامل، فوضعت بعد استشهاده، مولودهما فادي، الذي سار في موكب تشييع والده، بعد العثور على رفاته بعد الاندحار الإسرائيلي عن الجنوب اللبناني في أيار/مايو 2000.

- فاطمة: زوجة محمد عبدالله.

رحيل الحاجة «أم فهد» خسارة لكفرشوبا، والعرقوب والجنوب ولبنان وفلسطين، لمُناضلة صادقة بهدوء وإخلاص ودون ضجيج، جسّدت مبادئها وكرّستها في حياتها نضالاً وكفاحاً، فأضحت مثالاً نموذجياً للمرأة المُناضلة، أحوج ما نكون إلى أمثالها في ظروفنا الحالية.

رحم الله المُناضلة «أم فهد»، التي ووري جثمانها الثرى في مسقط رأسها كفرشوبا، عند المثلّث بين لبنان وفلسطين وسوريا، وأسكنها فسيح جنانه، وألهم أهلها وعائلتها ومُحبيها الصبر والسلوان.