باتت عملية تطويق التحركات الاحتجاجية بطروحات واضحة وعاجلة تتجاوز بأبعادها التقسيمات والمحاصصات السياسية والطائفية أمراً مُلحّاً لا سيما أن انفجار الشارع، وإن كان ناجماً عن ضغوط معيشية متراكمة، كان آخرها فرض سلة ضرائب تشمل الـTVA، والرسم على الواتساب، إلا أنه من المحتمل أن يشكل ورقة عبور نحو الانهيار الاقتصادي.
ووفق تعبير مصدر مالي، فإن ما قامت به الحكومة بجلستها الأخيرة لا يمكن وضعه سوى في خانة «الجهل» والاستخفاف بحاجات الناس ووجعها إذ لم يكن من الصائب الحديث بزيادة الضرائب والرسوم على البنزين واتصالات الواتساب وحتى الضريبة على القيمة المضافة قبل إثبات جدية المشاريع الإصلاحية.
تداعيات الحراك
أولى التداعيات لحراك الشارع تُرجمت بتلقي سندات لبنان الدولارية ضربة قد لا تكون الأخيرة، فقد سجّلت انخفاضاً بلغ نحو 1.9 سنتاً، فتكبدت سندات استحقاق 2025 أكبر انخفاض في شهرين لتتراجع إلى 67.09 سنتاً للدولار وفق بيانات تريدويب. ومن غير المستبعد أن نشهد مزيداً من التدهور أكثر فأكثر. وربما نشهد كارثة حقيقية على المستوى الاقتصادي، في حال استمر الحراك من دون اتخاذ السلطة إجراءات استيعابية تساهم بتهدئة الوضع وتطويق الأزمة، وما لم يتم ذلك من الممكن ان تنخفض سندات لبنان الدولارية أكثر فأكثر. وقد تلجأ وكالات التصنيف الإئتماني الى خفض تصنيف لبنان دون الإلتزام بإمهاله ثلاثة أشهر. كما قد يكون متوقعاً تعليق المانحين الدوليين العمل على تنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر الى حين جلاء الصورة.
استقالة الحكومة
وبعد استقالة وزراء القوات اللبنانية ليل السبت الفائت يتخوّف البعض من أن تؤدي استقالة الحكومة كاملة إلى الوقوع مجدداً بأزمة تقاسم حصص وفراغ حكومي، وتالياً فلتان الوضع وتسريع الانهيار الإقتصادي، من هنا دعا خبراء الى اجتماع بعض وزراء الحكومة، كحكومة تكنوقراط، وتجاوز عقلية التقاسم السياسي والإنصراف الى تنفيذ مشاريع عاجلة، تؤمن فرص عمل وتقديم ضمانات لتنفيذها تزامناً مع إلغاء عدد من الضرائب، حينها فقط ممكن أن يتلقف المجتمع الدولي والعربي مبادرة الحكومة ويقدم الدعم، لكن دون ذلك لا يمكن أن يخاطر أي كان بضخ الأموال في لبنان في ظل الواقع الحالي.
الورقة الإقتصادية
ويبدو أن ورقة إقتصادية إنقاذية باتت حاضرة على طاولة رئيس الحكومة سعد الحريري، من المتوقع أن تلبي بعض طموحات الشارع لكنها قد لا تشكل دافعاً كافياً للخروج من الشارع، ولا شك في أن الورقة الإقتصادية المرتقب طرحها وبدء العمل بها سريعاً تتضمن بعض البنود والإجراءات الملحّة لكن من غير المتوقع أن تشمل ما ألمح إليه أحد وزراء الحكومة منصور بطيش في تغريدة له عن ضرورة استعادة مليارات الهندسات المالية على اعتبار أنها أموال عامة واقتراح تقسيطها على 5 سنوات عبر سداد 20 في المئة من المبلغ سنوياً كي لا تتأثر ملاءة من استفاد منها، الإجراءات المرتقبة يأتي على رأسها إنجاز موازنة العام 2020 سريعاً وخلوّها من أي ضريبة أو رسم جديد يطال الفئات الشعبية الفقيرة ومتوسطة الدخل بالتوازي مع إلزام القطاع المصرفي بالمساهمة في خطة الخروج من الأزمة الحالية.
ووفق ما سُرّب من الورقة الإقتصادية المطروحة كمحاولة لاحتواء الإحتجاجات وتلقّف مطالب الشعب فإنها تتضمن تعليق أي اقتراحات بفرض ضرائب أو رسوم جديدة واستئناف تقديم القروض الإسكانية المدعومة وإنجاز موازنة 2020 مع اقتصارها على النفقات على الأجور دون التعرّض لها بأي اقتطاع أو حسم أو ضريبة باستثناء رواتب ومخصصات الوزراء والنواب التي من المرتقب حسم 50 في المئة منها وعلى خدمة الدين العام في مقابل تعليق كافة النفقات الأخرى.
كما تتضمن الورقة إجراءات لزيادة إيرادات الخزينة يأتي على رأسها رفع الضريبة على الأرباح على المؤسسات المالية من بينها المصارف من نسبة 17 في المئة المفروضة حالياً الى 35 في المئة ولمدة عام واحد، هذا الإقتراح لم يلق رفضاً من المصارف أو من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفق مصادر «المدن»، نظراً لدقة وخطورة الوضع، فالأبدى تنازل المصارف عن جزء من أرباحها قبل فوات الأوان إذ أن استمرار الأزمة الحالية وتفاقم الوضع في الشارع قد يدفع القطاع المصرفي الى الإستمرار بالإقفال القسري تجنّباً لفتح أبوابه أمام آلاف المودعين الذين سيعمدون الى سحب ودائعهم نقداً أو تحويلها الى الخارج.
وتشير التسريبات الى حديث عن توافق رئيس الحكومة مع سلامة على مساهمة مصرف لبنان وجمعية المصارف بمبلغ مالي يُقدّر بنحو 5000 مليار ليرة لخفض كلفة الدين العام دون أن يتم التأكد من صحة الخبر، ومن بين الطروحات التي تشملها الورقة الإقتصادية الشروع فوراً في تطبيق خطة الكهرباء لجهة تعيينات الهيئة الناظمة ومجلس الإدارة وتطبيق الخطة لناحية المصدر المؤقت للطاقة والمصدر الدائم، وإقرار مناقصات محطات الغاز.
حركة المطار
ورغم الأوضاع القائمة في الشارع تسير حركة مطار رفيق الحريري الدولي بشكل طبيعي، وفق تأكيد أكد مدير عام الطيران المدني محمد شهاب الدين ، ولفت الى أن عمليات إقلاع وهبوط الطائرات تتم في مواعيدها، من دون أي تأخير أو إلغاء لرحلات مغادرة أو قادمة باسثناء رحلة واحدة آتية من أوكرانيا تم إلغاؤها. وإذ أكد شهاب الدين على سير عمل المطار بشكل طبيعي وسط تعزيزات أمنية، تجنباً لأي مستجدات، أوضح أن العقبة الوحيدة التي تواجه المسافرين سواء القادمين أو المغادرين هي صعوبة وصولهم إلى حرم المطار أو الخروج منه، نظراً للتظاهرات التي تجوب طريق المطار وإقفاله كما كافة الشوارع والطرق.
يُذكر أن آليات الجيش اللبناني تقوم بمساعدة المسافرين على الإنتقال من طريق المطار إلى حرم المطار، في حين يتعرّض بعض المسافرين إلى ابتزاز أصحاب الدراجات النارية الذي يطلبون من المسافر ما لا يقل عن 100 دولار لنقله إلى المطار ما يضطر البعض إلى عبور نقاط الاعتصامات على طريق المطار سيراً على الاقدام. أما في ما خص القادمين عبر المطار فإنهم يجدون صعوبة في الانتقال إلى مناطقهم، نتيجة إغلاق الطرق، فيمضون ساعات طويلة بين المطار وأماكن سكنهم.