بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آذار 2020 12:29ص «كورونا» يُسرِّع بإطلاق سراح 4 آلاف سجين لتعذُّر التوافق على «قانون العفو»

اعتصام أمام «سجن رومية» مُطالبة بإطلاق سراح السجناء اعتصام أمام «سجن رومية» مُطالبة بإطلاق سراح السجناء
حجم الخط
فَرَضَ انتشار فيروس «كورونا» واقعاً جديداً على مُختلف مناحي الحياة في العالم، وتأثّر لبنان بتداعيات ذلك.

في ظل التحذيرات من مخاطر الازدحام البشري، تبرز مسألة السجون المُكتظّة بأكثر من حوالى 8 آلاف بين موقوف ومحكوم، وبينهم لا تصل الأحكام التي ستصدر في الملفات التي يُحاكمون بها إلى مُـدّة توقيفهم، ما يستوجب إجراءات وقائية منعاً لانتشار الفيروس.

هذا الواقع رفع من وتيرة تحرّك أهالي السجناء الموقوفين والمحكومين أمام «سجن رومية» و»الموقوفين الإسلاميين» في أكثر من منطقة، وكان ما سمعوه تأكيد على ضرورة إصدار قانون «العفو العام».

لكن، وفق مصادر مطلعة، فإنّ هذا القانون تُواجهه العديد من الألغام - أي أنّ المُتداول به سيستفيد منه عدد من المساجين أو المطلوبين، ولن يتمكّن الاستفادة منه جميع الموقوفين، أو الذين يُلاحقون بملفات إرهابية، وفي طليعة هؤلاء مَنْ يُصنّفون «الموقوفين الإسلاميين» - أي من «أبناء الطائفة السنية»!

ولأنّ الظروف السياسية لا يُمكن أنْ تُؤمّن اتفاقاً شاملاً، لجهة تصنيف بعض هذه الملفات، فإنّه لا إمكانية للتوافق على «قانون العفو» الشامل، الذي يُؤمّن إنهاء الملفات دفعة واحدة.

مردُّ ذلك إلى أنّه بعد كف «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت التعقّبات عن «جزّار مُعتقل الخيام» العميل عامر الفاخوري - استناداً إلى مواد في القانون اللبناني المعمول به الآن - فإنّ جرائم التعامل والقتل والتعذيب، وما يصنّف بجرائم ضد الإنسانية، تسقط بمرور الزمن العشري - وهذه المواد بحاجة إلى تعديل، لكن العديد من الكتل النيابية، التي تُشكّل أكثرية في مجلس النوّاب، لن توافق على هذا التعديل.

وعندما طُرِحَ في لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان في 20/1/2020، تعديل قانون مُعاقبة التعذيب رقم 65، خاصة المادّة الثالثة التي تنص على «سريان مرور الزمن على جريمة التعذيب»، رفضت إجراء التعديل، باعتبار أنّ التعذيب جريمة مُتمادية لا تسقط بالتقادم قبل إقرار القانون».

عون وجعجع استفادا من «قانون العفو»

هذا يعني أنّ عميلاً مُجرماً بحجم الفاخوري، استفاد من المواد القانونية، وهذا السقف سيكون المثال الذي تتمّ مُقاربته عند أي طرح يتعلّق بشأن «قانون العفو العام»، خاصة أنّ التجارب السابقة أثبتت أنّه جرى «تفصيل» قوانين «العفو العام» أو في قضايا مُحدّدة، وفق المصالح السياسية لمَنْ صاغ ذلك، واستفاد منه مَنْ هم في مواقع المسؤولية والتأثير الآن.

عون استفاد من «قانون العفو» في 1990 وإسقاط دعوى الحق العام 2005

كان من بين هذه الملفات، ما استفاد منه الرئيس العماد ميشال عون، ونصَّ على «منح كلاً من الضبّاط السابقين ميشال عون وإدغار معلوف وعصام أبو جمرة، عفواً خاصاً له مفاعيل العفو العام عن الجرائم المُحال بها على المجلس العدلي، بموجب المرسوم رقم 656 الصادر بتاريخ 19/10/1990، شرط مُغادرته البلاد خلال 48 ساعة من تاريخ صدور هذا المرسوم، وبقائه مُـدّة 5 سنوات اعتباراً من تاريخ المُغادرة»، وهو ما تمّ حيث غادر إلى فرنسا.

الرئيس العماد ميشال عون
الرئيس العماد ميشال عون

ولم يعد إلى لبنان إلا بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصدور قرار المُحقّق العدلي القاضي جهاد وادي في ملف الاعتداء على أمن الدولة واغتصاب السلطة والتآمر، الذي قضى بإسقاط دعوى الحق العام، حيث قرّرت «محكمة جنايات بيروت» برئاسة القاضي ميشال أبو عراج، يوم الخميس في 5/5/2005، وقف تنفيذ مُذكّرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق عون، حيث وصل إلى لبنان يوم السبت في 7/5/2005.

جعجع خرج بـ«قانون العفو» في 2005 مُقايضة مع «مجموعة الضنيّة» التي اعتدت على الجيش

كما أنّ رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع استفاد من «قانون العفو» في قضايا مُحدّدة أصدرها مجلس النوّاب في جلسته التي عقدها بتاريخ 18/7/2005.

وأصدر المجلس القانونين رقم 677 و678، وشملا أيضاً موقوفي مجدل عنجر والضنية، الذين كانوا قد اعتدوا على الجيش اللبناني في جرود الضنية - شرق طرابلس بين 30/12/1999 و6/1/2000، ما أدّى إلى سقوط 12 شهيداً بين ضابط وجندي من الجيش، ومقتل 25 وتوقيف 55 من المجموعة التي كانت بإمرة بسّام أحمد كنج «أبو عائشة».


سمير جعجع



هذا يُؤكّد أنّ بعض القضايا الخاصة، كانت تتم فيها «الاستنسابية» وتجاوز أي اعتبار، بما فيها الاعتداء الذي تعرّض له الجيش اللبناني، كرمى لبعض الأشخاص، دون النظر إلى شهداء الجيش والمُقاومين في مُواجهة العدو الإسرائيلي وعملائه والإرهاب وخلاياه، الذين ضحّوا بأنفسهم وبذلوا الدماء في مُواجهة هؤلاء.

وبالتالي لا يُمكن أنْ تدخل جميع هذه الملفات «بازار» الحسابات والمصالح الخاصة!

كما أنّ عدداً كبيراً كان قد استفاد من قانون «العفو العام»، الذي أصدره مجلس النوّاب بتاريخ 26/8/1991 وحمل رقم 84/91 ونص على «منح العفو عن الجرائم المُرتكبة منذ بداية الحرب الأهلية بتاريخ 13/4/1975 وحتى تاريخ 28/3/1991».

وترك الباب مفتوحاً أمام المزيد من إمكانيات العفو لمصلحة أفراد مُحدّدين عن جرائم ارتُكِبَتْ خلال الحرب، فأعطى الحكومة سلطة استثنائية لمدّة سنة ابتداءً من تاريخ العمل به لإصدار «عفو خاص» له مفاعيل «العفو العام».

وقد صدرت مراسيم عديدة بين عامي 1991 و2005، استفاد منها أشخاص مُلاحقون بجرائم استناداً إلى هذا العفو.

كما أنّ «المصلحة» كانت كفيلة بإصدار قوانين، ومنها قانون تخفيض السنة السجنية من 12 شهراً إلى 9 أشهر، الذي أقرّه المجلس النيابي، وحمل الرقم 216 الصادر بتاريخ 23/3/2012، ليستفيد منه العميل الرائد المُتقاعد فايز كرم، حيث خرج من السجن بتاريخ 4/4/2012، وكذلك العميل زياد الحمصي، الذي أدانته «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت بتهمة التعامل مع العدو، لكنه استفاد من تخفيض السنة السجنة، فأُطلِقَ سراحه بتاريخ 2/6/2012.

تقسيم الملفات إلى فئات

وكشفت مصادر مطلعة لـ«اللـواء» بأنّه في ظل الملفات العديدة، لا يُمكن الآن إصدار قانون «العفو العام» الشامل في جميع الملفات دفعة واحدة.

وجرى تقسيم هذه الملفات إلى فئات عدّة:

- الجرائم الصادرة فيها أحكام قضائية وبعضها بالإعدام.

- الجرائم الواقعة قبل تاريخ إصدار هذا القانون وما زالت في طور المحاكمة.

- الجرائم الصادرة فيها أحكام غيابية.

- الجنح الصادرة فيها أحكام موقوفين أو ما زالوا يُحاكمون أو غيابياً.

وأكدت المصادر أنّ ما يجري بحثه الآن، هو التخفيف من أعداد السجناء، وليس من خلال «العفو العام»، ويتمثّل ذلك عبر:

- تطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أنّ «فترة التوقيف الاحتياطي في الجنح لا يجب أنْ تتخطّى 4 أشهر، وفي الجنايات السنة».

- في ظل الظروف التي تمر بها البلاد وتوقّف العمل في قصورالعدل وعدم إمكانية عقد جلسات في المحاكم وأمام قضاة التحقيق، كان ضرورياً مُواكبة ذلك بخطوات تتلاءم ومُتطلّبات المرحلة.

فقد حدّد النائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسّان عويدات في تعميمين أصدرهما بشأن سرعة تسهيل تقديم طلبات إخلاء سبيل الموقوفين:

- ما يتعلّق بالتوقيف الاحتياطي.

- الاستجواب الإلكتروني.

وهذا يُتيح لقضاة التحقيق استجواب المُحتجزين بالصوت والصورة من خلال الإنترنت لاتخاذ القرارات في ملفاتهم.

وكانت قاضي التحقيق في الشمال جوسلين متى، وبناءً على توجيهات القاضي عويدات، قد أطلقت سراح 4 موقوفين في مكان توقيفهم في الشمال، بتسجيل مُبادرة جديدة باستجواب موقوفين في طرابلس عبر تطبيق «واتساب» فيديو.

وأيضاً إقرار مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها الأسبوع الماضي مشروعاً قدّمته وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم بإخلاء سبيل 125 سجيناً أنهوا محكومياتهم في السجن، ولم يتمكّنوا من تسديد الغرامات.

كذلك سيجري تفعيل لجنة تخفيض العقوبات، التي تضم قضاة منحهم القانون الصلاحية بتخفيض مُـدّة عقوبة المحكومين الذين يُصنّفون من أصحاب السيرة الحسنى، كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، أو مصابين بأمراض مُستعصية، مثل: السرطان، السل والسيدا.

في ضوء هذه الخطوات، من المُتوقّع أنْ يتم إطلاق سراح أكثر من 4 آلاف موقوف من أصل حوالى 8 آلاف سجين، وهذا يُؤدي إلى:

- تقليص الاكتظاظ في السجون.

- تخفيض الأعباء المالية التي تتكبّدها الدولة اللبنانية كبدل طعام ومصاريف عن السجناء.

- تقليص عديد قوى الأمن الداخلي المُولجة بتأمين الحماية والخدمات اللوجستية للسجون.

كما أنّ عدداً آخر سيستفيد من خلال تشريع زراعة «القنب» - «الحشيشة»، الذي أقرّته لجان المال والموازنة، الإدارة والعدل، الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، والدفاع الوطني والداخلية والبلديات، والزراعة والسياحية، في جلسة مُشتركة عقدتها برئاسة نائب رئيس مجلس النوّاب إيلي فرزلي، يوم الأربعاء في 26/2/2020، وأُقرَّ خلالها اقتراح القانون الرامي إلى تنظيم زراعة «القنب» للاستخدام الطبي والصناعي.

وهذا يُشير إلى أنّ أكثر من 40 ألف مُذكّرة توقيف وبلاغات بحثٍ وتحرٍ، ستسقط في ضوء هذا القانون، إذا ما اعتُمِدَتْ صلاحيته بمفعول رجعي.

وأيضاً هناك عملاء العدو الإسرائيلي في «ميليشيا العميل أنطوان لحد»، الذين فرّوا مع الاحتلال الإسرائيلي إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلّة في 25/5/2000، عاد البعض منهم واستفاد من أحكام تخفيفية، ومنهم مَنْ غادر إلى خارج الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، ويُمكن في حال عودته الاستفادة من سقوط جرم التعامل، وحتى القتل، بمرور الزمن العشري، كما جرى مع العميل الفاخوري.

وحتى إنهاء ملفات باقي العملاء، وهو المشروع الذي طالب به مراراً الرئيس عون - قبل انتخابه رئيساً للجمهورية - يوم كان رئيساً لـ»تكتّل الإصلاح والتغيير» تحت عنوان: «اللاجئون اللبنانيون إلى إسرائيل».