بعد ستة أشهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتّفاق النووي مع إيران، أكّدت الولايات المتحدة امس رسمياً أنّها ستعيد ابتداءً من الاثنين فرض القسم الثاني من العقوبات التي كانت رفعتها إثر التوصّل الى اتّفاق مع طهران عام 2015، فيما أعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي في بيان مشترك امس عن «الأسف الشديد» لقيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوباتها على إيران.
وكانت واشنطن أعادت فرض الشريحة الأولى من عقوباتها على إيران في آب الماضي.
ورغم الاحتجاجات الإيرانية وانتقادات الحلفاء الأوروبيين وروسيا والصين للولايات المتحدة، نفّذ الرئيس دونالد ترامب وعيده وقرّر رسمياً فرض الشريحة الثانية من العقوبات بدءاً من الإثنين المقبل. والقرار الأميركي يعني منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأميركية في حال قرّرت المضي قدماً بشراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية.
إلاّ أنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أعلن أنّ ثمانية دول ستستفيد من استثناءات مؤقّتة تتعلّق بشراء النفط من إيران، وسيكون بإمكانها تالياً الاستمرار مؤقتاً في استيراد النفط الإيراني، مشيراً إلى أنّ هذا الاستثناء تقرّر «فقط لأنّها أثبتت قيامها بجهود كبيرة في اتّجاه وقف وارداتها النفطية قدر الإمكان» ولأنّها أيضاً «تعاونت في العديد من الجبهات الأخرى» مع الولايات المتحدة.
ولم يحدّد بومبيو هذه البلدان التي ستصدر قائمة بها الإثنين، مشيراً إلى أنّ اثنين من هذه البلدان تعهّدا بقطع وارداتهما من النفط الإيراني تماماً في المستقبل، فيما ستستمر الدول الست الأخرى في شراء النفط الإيراني إنّما بكميات أقلّ بكثير من فترة ما قبل العقوبات.
واعتبر بومبيو «أنّ الهدف من هذه العقوبات هو حرمان النظام (الإيراني) من عائدات يستخدمها لزرع الموت والدمار عبر العالم».
وفي أنقرة، أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أنّ بلاده بين الدول المستثناة من الحظر.
وقال دونماز بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول الحكومية «نعرف أنّ تركيا هي إحدى الدول المستفيدة من الاستثناء، لكننا لم نتلقَّ بعد التفاصيل».
وتوقّع مراقبون أن تكون كوريا الجنوبية والهند والصين أيضاً من بين الدول المستثناة.
وأكّدت الإدارة الأميركية أن هذه العقوبات «ستكون الأقوى في التاريخ»، وأنّ تطبيقها سيكون أكثر تشدّداً بكثير ممّا كان يجري في السابق، وأنّ إجراءات أخرى ستتّخذ في الإطار نفسه خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ولإثبات حزم الإدارة الجمهورية، أشار وزير الخارجية إلى أن إدارة الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما كانت منحت إعفاءات لعشرين بلداً خلال الفترة السابقة من فرض العقوبات.
من جهته، أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أنّ 700 شخص أو كيان سيضافون إلى اللائحة الأميركية السوداء، أي أكثر بـ300 اسم من تلك التي كانت سحبت بعد العام 2015.
وقال أيضاً إنّ الولايات المتّحدة تودّ قطع المؤسسات المالية الإيرانية الخاضعة لعقوبات والتي ستصدر قائمة بها الإثنين، عن نظام «سويفت» الدولي للتحويلات المالية، مع استثناء «التحويلات الإنسانية».
وتوقّع دبلوماسي أوروبي أن «تكون العقوبات مؤلمة»، مع العلم أنّ الاقتصاد الايراني يعاني أصلاً في الوقت الحاضر من صعوبات، والعملة الايرانية تتراجع منذ أشهر عدة.
كما اعتبر الدبلوماسي أنّ ما يُفرض اليوم على إيران «شبيه بما جرى مع الكوريين الشماليين أي عقوبات وضغوط قصوى لكي يصبحوا بعدها جاهزين للتفاوض».
ولا تخفي إدارة ترامب اقتناعها بأنّ هذه الاستراتيجية ستنجح كما نجحت مع كوريا الشمالية، حيث تعهّد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون بـ«نزع السلاح النووي» خلال قمّة تاريخية عقدها مع الرئيس الأميركي بعد أشهر من التوتر الشديد والتهديدات المتبادلة.
وكرّر ترامب مراراً استعداده للتفاوض مع القادة الإيرانيين حول اتّفاق شامل على أساس تلبية 12 شرطاً أميركياً، أبرزها فرض قيود أكثر تشدّداً على القدرات النووية الإيرانية ممّا هو وارد في اتّفاق العام 2015، وفرض قيود على انتشار الصواريخ البالستية الإيرانية، وعلى ما تعتبره واشنطن «النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار» في العديد من دول الشرق الاوسط مثل سوريا واليمن ولبنان.
وفي ردود الفعل أعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة والاتّحاد الأوروبي في بيان مشترك امس عن «الأسف الشديد» لقيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوباتها على إيران.
وجاء في البيان أيضاً «إنّ هدفنا هو حماية الّلاعبين الاقتصاديين الأوروبيّين الذين يقومون بمبادلات تجارية مشروعة مع إيران».
وحمل البيان توقيع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزراء الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان والألماني هايكو ماس والبريطاني جيريمي هانت.
وأضاف البيان أنّ الاتّفاق الموقّع مع إيران حول ملفها النووي في 2015 «يشكّل عاملاً أساسياً في إطار الهندسة العالمية لمنع الانتشار النووي، وفي إطار الدبلوماسية المتعدّدة (...). إنّه أساسيّ لأمن أوروبا والمنطقة والعالم أجمع».
وتابع الوزراء في بيانهم «بصفتنا موقّعي الاتّفاق التزمنا العمل خاصّة على الإبقاء على عمل شبكات ماليّة مع ايران، وعلى ضمان استمرار الصادرات الإيرانية من النفط والغاز. إنّ عملنا بالنسبة الى هذه المواضيع وغيرها سيتواصل (...) وقد تكثّفت هذه الجهود خلال الأسابيع القليلة الماضية».
بدوره، نقل موقع جماران الإخباري الإلكتروني عن نائب إيراني قوله امس إن إعادة فرض العقوبات سيزيد توحيد الأمة الإيرانية في مواجهة التهديد الأجنبي.
ونقل الموقع عن محمود صادقي قوله «الإيرانيون يصبحون أكثر اتحادا كلما واجهت إيران تهديدات أجنبية... ستواجه الفصائل السياسية والإيرانيون من طبقات المجتمع المختلفة أساليب تنمر (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب».
(ا.ف.ب - رويترز)