أبعد من أن يقدم مجرم، نيوزيلندي، على واحدة من أبشع الجرائم، التي تستهدف الجنس البشري في عقد دار «الحضارة الغربية» الداعية إلى الحوار والديمقراطية وحقوق الإنسان، على أنقاض الفاشية والهتلرية وسائر الديكتاتوريات الأوروبية التي أخذت البشرية إلى حربين كونيتين، عاد السؤال يتجدد ماذا وراء الحملات، والافتراءات على الإسلام، كقوة حضارية وكديانة من أكبر ديانات العالم، تدعو إلى التسامح والتعايش والتعارف بين أمم الأرض، بصرف النظر عن العرق، والجنس أو اللون أو الدين؟
لم يخفِ المجرم النيوزيلندي المسمى برينتون تارانت، والذي وصفته الوكالات الدولية بـ «سفاح نيوزيلندا» صفته كإرهابي، فهو قال، عبر بيان نشره على الانترنت أنه اقدم على «الإجرام» بدافع «الإرهاب».
وزعم في بيانه أن تدفق المهاجرين على الدول الغربية يُشكّل أخطر تهديد لمجتمعاتها، ويرقى إلى ما وصفه بـ «الإبادة الجماعية للبيض» وان وقف الهجمة وإبقاء «الغزاة» المتواجدين على أراضيها «ليس مسألة رفاهية، بل هو قضية بقاء ومصير».
ولم يبدِ المجرم المذكور ندماً على جريمته المروعة، مشيراً إلى انه يدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب «كرمز للهوية البيضاء المتجددة والهدف المشترك».
والثابت من مجرى الجريمة أن الهدف منها ايقاظ مشاعر الكراهية للمسلمين، أينما كانوا، في استنهاض، غير بريء، لمحطات معادية في تاريخ الغرب الأوروبي، في حملاته على بلاد المسلمين، أو نزعته لكراهية الإسلام، وفقاً للشعارات التي ضمنها المجرم لفعلته.. انها المسألة الشرقية، في حلة جديدة، قد تكون أكثر سواداً إذا لم تتدارك قيادات الغرب ومؤسساته مسؤولياتها الإنسانية في حماية المسلمين، الذين أصبحوا جزءاً منها، ومواطنين يحملون جنسيات الدول التي يعيشون فيها.
وقد أثار الاعتداء الارهابي الفاشي أمس على مسجدين في نيوزيلندا وأسفر عن مقتل 49 شخصا على الأقل خلال صلاة الجمعة حالة من الصدمة والاستياء حول العالم وأثار موجة من الحزن والغضب عبرت عن نفسها في كلمات ومواقف زعماء العالم المنددة بقوة، فيما قالت الشرطة إنها أوقفت أستراليا يبلغ من العمر 28 عاماً ووجهت إليه تهما بالقتل في الهجوم على أن يمثل اليوم أمام محكمة مقاطعة كرايست تشيرتش. كما أوقف رجلان آخران، لكن لم تعرف بعد التهم الموجهة إليهما.
وعثر على عبوتين ناسفتين يدويتين مثبتتين على سيارة، وجرى تفكيكهما بحسب الشرطة.
وقالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن «لا يمكن وصف ذلك سوى بأنه هجوم إرهابي» متحدثة عن «أحد أحلك الأيام» في تاريخ البلاد.
وأدان مجلس الأمن الدولي «الهجوم الجبان والفظيع» على المسجدين في نيوزيلندا، واصفا إياه بـ «العمل الإرهابي».
ووقف أعضاء المجلس امس دقيقة صمت حدادا على أرواح المصلين الـ49 الذين قضوا في المسجدين.
وأكد المجلس مجددا في بيان اقترحته الكويت وإندونيسيا أن «الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثل أحد أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين».
وأضاف المجلس أن الأعمال الإرهابية «إجرامية وغير مبررة».
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر «تويتر» «أعرب عن أحر مشاعر المواساة وأطيب التمنيات للنيوزيلنديين بعد المجزرة المروعة في المسجدين. توفي 49 شخصا بريئا بشكل عبثي للغاية وتعرض كثيرون لإصابات بالغة».
ودانت السعودية الاعتداء «بأشد العبارات». وصدرت إدانات كذلك من باقي دول الخليج - قطر والإمارات والبحرين والكويت وعمان.
وأكد البابا فرنسيس «تضامنه الخالص» مع كل النيوزيلنديين والمسلمين منهم بشكل خاص.
وقال وزير خارجية الفاتكيان بيترو بارولين في برقية إن البابا «يشعر بحزن عميق لعلمه بالإصابات والخسارة في الأرواح الناجمة عن أعمال العنف العبثية».
ورأى شيخ الأزهر أحمد الطيب إن هذا «الهجوم الإرهابي المروع (...) يشكل مؤشرا خطيرا على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على تصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من بلدان أوروبا، حتى تلك التي كانت تعرف بالتعايش الراسخ بين سكانها».
وكان السفاح قد نشر «بياناً» عنصرياً على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن ينفذ جريمته المروعة، افتتحه بقصيدة للشاعر البريطاني ديلان توماس، وأرجع فيه أسباب ارتكابه للمجزرة، إلى «التزايد الكبير في عدد المهاجرين» الذين اعتبرهم «محتلين وغزاة»
وذكر تارانت عن سبب اختياره نيوزيلندا مكانًا لجريمته، أنه أراد من ذلك «توجيه رسالة للغزاة أنهم ليسوا بمأمن حتى في أبعد بقاع الأرض»، على حد زعمه.
وقال «لا أشعر بالندم .. وأتمنى فقط أن أستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة». وأضاف أن «ارتكاب المذبحة جاء لأنتقم لمئات آلاف القتلى الذين سقطوا بسبب الغزاة في الأراضي الأوروبية على مدى التاريخ».
ولم يكتف المهاجم بهذا فقط، بل تطرق في بيانه إلى أسماء كبيرة يريد استهدافها، ومنها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وعمدة لندن صادق خان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حسب موقع «يورو نيوز» الأوروبي.
وأعلن القاتل في بيانه تأثره بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتباره «رمزا لإعادة الاعتبار لهوية البيض»، رغم أنه لا يعتبره صانع سياسة أو زعيما، حسب صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية.
وقال تارانت إنه استوحى هجومه من «أندرس بيهرينغ بريفيك» مرتكب هجمات النرويج عام 2011، كما زعم أن جريمته تأتي أيضا انتقاما لهجوم في السويد في أبريل 2017.
وقال أيضًا إنه تأثر بكانديس أوينز، وهي ناشطة مؤيدة بشدة للرئيس الأميركي.
واعترف المجرم أنه يخطط للقيام بهجوم كهذا منذ عامين، لكن قرار التنفيذ في مدينة «كرايست تشيرتش» اتُخذ قبل 3 أسابيع فقط. وأكد أنه لا ينتمي إلى أي حركة سياسية.
وعلى طريقة لعبة «بوبجي» الشهيرة، وألعاب القتل الإلكترونية الأخرى، ظهر السفاح المهووس بالعنصرية وهو يستمع للموسيقى، ويصور على الهواء مباشرة تفاصيل جريمة قتله مصلين بدم بارد، ومستبدلا خزائن أسلحته بكل أريحية، ويقضي على آنين الجرحى دون رحمة.
ونقل المهاجم مباشرةً على الإنترنت مقاطع من الاعتداء، حيث أمكن رؤيته وهو ينتقل من ضحية إلى أخرى، مطلقاً النار على الجرحى الذين يحاولون الهرب منه.
وقالت الشرطة إن المقاطع التي نشرها المجرم «مؤلمة جداً»، فيما حذرت السلطات بأن من ينشر تلك المقاطع قد يعاقب بالسجن إلى ما يصل 10 سنوات.
وإضافة إلى الفيديو أظهرت صور مرتبطة بمنفذ الهجوم على مواقع التواصل أسلحة شبه آلية كتبت عليها أسماء شخصيات تاريخية عسكرية، بينهم أوروبيون قاتلوا القوات العثمانية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
وليلا اعلن عن وفاة سعودي متأثراً بجراحه إثر إصابته بخمس طلقات نارية، في الهجوم الارهابي ليوتفع العدد الى ٥٠ قتيلا.
وقال فراس محسن المزيني، أن والده توفي متأثرا بإصابته البالغة التي تعرض لها، حسب وسائل إعلام سعودية.
وكان محسن المزيني ظهر في مقاطع مصورة وهو «رافع إصبع السبابة»، وفي طريقه إلى العناية المركزة جراء إصابته بخمس طلقات نارية، قبل أن توافيه المنية.
(أ ف ب - رويترز)