في الوقت الذي يواصل فيه "كورونا" حصد
أرواح الإيرانيّين، وفيما نرى أنّ مكافحة الفيروس في العديد من الدول تتمّ من خلال
تضامن كبير على المستويين الشعبيّ والرسميّ، نجد أنّ الوضع في إيران غير ذلك
تمامًا.
لعلّ أهم سبب في ذلك هو تأخر السلطات الإيرانيّة في
الكشف عن أوّل إصابة بالوباء، وتأخّرها في اتخاذ التدابير اللازمة، فضلًا عما ترتّب
عن ذلك من عدم ثقة الشعب في المسؤولين.
كما أنّ التصريحات المتضاربة للمسؤولين الإيرانيّين،
وعدم التزام المواطنين بالتعليمات الخاصة بحمايتهم من الوباء، من أكبر الأسباب
التي أدت إلى الارتفاع الكبير في أعداد الوفيات والإصابات يومًا بعد يوم.
_ كيف
ظهر الفيروس في إيران؟
النائبة في البرلمان عن مدينة شيران بهرام بارساي،
والحقوقيّة الحاصلة على جائزة "نوبل" للسلام شيرين آبادي، اتّهمتا خطوط
"ماهان" التابعة للحرس الثوريّ الإيرانيّ بالتسبب في ظهور الفيروس
بالبلاد.
بدوره، قال محمد حسين بحريني، رئيس جامعة مشهد
للعلوم الصحية، إنّ "السبب في حدوث هذا القدر من الوفيات من جرّاء الإصابة
بفيروس كورونا، 700 طفل صينيّ كانوا يدرسون في مدينة قُم".
أمّا المرشد الإيرانيّ علي خامنئي، فيرى أنّ المسؤول
عن كل هذه الأزمات "أعداء إيران، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة،
والدول الغربية ومن والاهم".
لكن هناك من يعترضون على ما يقوله المرشد، ومنهم آية
الله محمد تقي فاضل مؤبدي، عضو هيئة التدريس في جامعة "مفيد" في مدينة
"قم"، إذ يتّهم السلطات بتسييس الأزمة، من خلال زعمها بأنّ السبب فيها
العقوبات المفروضة على البلاد.
جدير بالذكر أنّ إيران التي تقول إن سبب عجزها في
إدارة أزمة تفشي الفيروس هو العقوبات، تلقت مساعدات شملت معدات وأدوات طبيّة بقيمة
200 مليون دولار، من دول مثل تركيا، وقطر، واليابان، وفرنسا، والصين، ومن منظمات
دوليّة عدة كمنظمة الصحة العالميّة.
_ التكتّم
على أعداد الإصابات
أحد أهم الأسباب التي أسقطت إيران مهزومة أمام
"كوفيد-19"، هو تكتمها على الإصابات وإخفائها والتأخر في الإعلان عن أول
إصابة، وكذلك التحرك المتأخر في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الفيروس، كان من
أكبر العوامل التي ساعدت في انتشاره بسرعة.
فيما ثبت أنّ وزير الصحة الإيرانيّ حسن قاضي زاده
هاشمي، أبلغ المسؤولين بوجود الفيروس قبل شهرين من الإعلان الرسميّ عنه.
_ استخفاف
المسؤولين
في الوقت الذي قال فيه خامنئي عن الفيروس "إنّه
ليس بالبلاء الكبير لهذا الحدّ"، نرى أنّ رئيس الدولة، حسن روحاني، أدلى بأول
تصريح بعد 4 أيام من الإعلان عن وجوده رسميًا بالبلاد، قال فيه إنّ كل شيء سيعود
إلى سابق عهده.
مسعود بزشكيان، نائب رئيس البرلمان، وفي ردّ على مثل
هذه التصريحات التي لم تأخذ الأمر على محمل الجد قال "كان يتعيّن على
المسؤولين أن يكافحوا الفيروس بالشكل اللائق منذ اليوم الأول".
_ غياب
التنسيق بين المؤسسات
"غياب التنسيق"
بين المؤسسات والمسؤولين، و"عدم إدارة الأزمة بشكل مركزي"، عاملان آخران
ساهما بشكل أو بآخر في انتشار الفيروس بشكل سريع وتفشيه في البلاد.
نواب البرلمان، شددوا على ضرورة أن يكون الرئيس على
رأس فريق إدارة الأزمة، لكنّ الأخير تهرّب من القيام بهذه المهمة بحجة أنّ بعض
المؤسسات العسكريّة والمدنيّة في الدولة لا تتبع في هذا الشأن إلى رئاسة الجمهورية.
بدوره، قال خامنئي إنّ روحاني يتابع الموضوع، ومن
جانب آخر أصدر تعليمات بتشكيل مقر لمكافحة الفيروس تحت رئاسة محمد باقيري، رئيس
الأركان العامة.
وعلى إثر تعيينه رئيسًا للمقر المذكور، أعلن باقيري
أنه سيتمّ إخلاء الشوارع والأزقة والقرى كافّة من المواطنين خلال 24 ساعة، لكن في
المقابل، قال روحاني "لن يتمّ تطبيق أيّ حجر صحي لا اليوم ولا في أيام أعياد
النوروز".
وبالتالي لم يتمّ تفعيل ما قاله رئيس الأركان، ولم
تعد هناك أية تدابير لمكافحة الفيروس، وكان هذا واضحًا يوم 23 مارس/ آذار، خلال
جنازة الجنرال، حسين أسد الله الذي فقد حياته قبل ذلك التاريخ.
بالتزامن مع جنازة الجنرال المذكور في طهران التي
شارك فيها الآلاف، انتقد كيانوش جيهانبور، مسؤول العلاقات العامة في وزارة الصحة، هذا
التصرف متهكمًا وقال "على ما أعتقد هذا (في إشارة للجنازة) برتوكول صحي جديد
للحيلولة دون أن تكون هناك تجمعات مزدحمة".
الناطق السابق باسم الحكومة، عبد الله رمضان زاده،
قال معلقًا على الجنازة نفسها "التزام المواطنين بالبقاء في المنازل أمر من
الممكن تحقيقه إذا ما مثل المسؤولون عن تنظيم هذه الجنازة أمام القضاء".
_ التضارب
في تصريحات المسؤولين
في الوقت الذي قال فيه خامنئي، وحسين سلامي، القائد
العام للحرس الثوري، إنّ الفيروس هو "هجوم إرهابيّ بيولوجيّ" شنته
الولايات المتحدة، نجد على الجانب الآخر، رضا مليك زاده، نائب وزير الصحة، الذي نفى
هذه المزاعم، وأضاف قائلا "وفق ما ثبت لدينا ليس الأمر كما قيل".
_ انعدام
ثقة المواطنين في المسؤولين
ثمّة سبب آخر من أسباب فشل طهران في التصدي لتفشي
فيروس كورونا، ألا وهو فقد الشعب ثقته في مسؤولي البلاد.
صحيفة "اعتبار" المعروفة بقربها من النائب
البرلماني عن العاصمة طهران، محمد علي وكيلي، نشرت في وقت سابق مقالًا موقعًا
باسم، علي رضا صديقي، سلط فيه الضوء على حالة انعدام الثقة هذه، على النحو التالي:
"السبب في حدوث هذه
الدرجة من التعقيد في عملية مكافحة فيروس كورونا بإيران، هو عدم قيام المسؤولين
بالإدلاء بأيّة بيانات صحيحة حول انتشار الوباء، إلى جانب انعدام ثقة الشعب فيما
يصدر عن هؤلاء المسؤولين من معلومات".
هذه الحالة من انعدام الثقة كانت حاضرة بقوّة بعد
الزلازل التي شهدتها البلاد على مدار السنوات الأخيرة، إذ دفع هذا الأمر المواطنين
إلى التراجع عن فكرة إرسال مساعداتهم لمتضرري الزلازل عبر قناة الدولة.
ومن ثم فضّل كثير من الناس إرسال مساعداتهم إلى
المحتاجين والمتضررين، من خلال صحافيين، ورياضيين، وكذلك فنانين، في صورة تعكس
بشكل جليّ مدى انعدام ثقتهم في الجهات الرسميّة للدولة.
كما ثمّة أسباب أخرى أدت إلى هذه الحالة من انعدام
الثقة، مثل "عدم قيام الدولة بالإدلاء بأية تصريحات عن المحتجين الذين قتلتهم
قوات الأمن في المظاهرات المناهضة للنظام في ديسمبر/ كانون أول 2017، ونوفمبر/ تشرين
الثاني 2019، إلى جانب محاولة النظام التستر على الحقائق المتعلقة بإسقاط الطائرة
الأوكرانيّة من قبل الحرس الثوري فوق طهران في يناير/ كانون الثاني الماضي".
النائب في البرلمان الإيراني، فردين فرمند، قال إنّ
"حالة انعدام الثقة بين الشعب والنظام، تعتبر من وجهة نظري أخطر من فيروس
كورونا نفسه".
أما عالم الاجتماع، أردشير بهرامي، فعلّق على هذا
الأمر قائلا "يثبت التاريخ دومًا أنّ مسؤولي دولتنا ينكرون في البداية
الأزمة، ثم يقلّلون من شأنها لاحقًا، وفيما بعد يلقون بمسؤوليتها على جهات خارجيّة.
وهذا هو السبب الحقيقيّ في انعدام ثقة المواطنين بالمسؤولين".
_ التأخر
في اتخاذ التدابير اللازمة في مدينة "قم" منشأ الفيروس في البلاد
في سياق متصل، هناك عامل آخر من عوامل فشل طهران في
مواجهة الفيروس، ألا وهو التأخر في اتخاذ التدابير اللازمة ضدّ كورونا في مدينة
"قم" التي تفشّى منها الوباء، وهو العامل الأكثر إثارة لحفيظة المواطنين
من دون غيره.
وكان لرجال الدين في تلك المدينة دور كبير في اتخاذ
هذه التدابير، إذ عارضوا فكرة إغلاق الأضرحة، ووضع المدينة تحت الحجر الصحي، ما
أدى إلى تفشي الفيروس بشكل سريع في المدينة وبالتالي في أنحاء البلاد كافة.
إلى جانب ذلك، فإنّه رغم حظر زيارة الأضرحة، فإنّ
الزوار تدفقوا على الأضرحة في مدينتي "قم" و"مشهد" لزيارتها،
حتى يقال إنّ مليونًا و213 ألف شخص قاموا بزيارتها منذ تفشي الفيروس وحتى الآن.
علي مطّهري، النائب السابق لرئيس البرلمان قال في
هذا الصدد "مسؤولية الناس الذين لقوا حتفهم بسبب فيروس كورونا، تقع على عاتق
من عارضوا وضع مدينة قم تحت الحجر الصحي. لذلك يجب كشف القناع عن كل من حال دون
فرض الحجر الصحي على المدينة، ولماذا قام بذلك".
وحاليًا وفي الوقت الذي يواصل فيه الفيروس حصد أرواح
الإيرانيين، لم تنفذ بعد الخطوات المعلن عنها لمواجهة الوباء كتوزيع أقنعة الوجه
المجانيّة، وتشكيل فريق مكوّن من 300 ألف شخص للتصدي له.
المصدر: الأناضول