بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

7 أيار 2019 10:08ص أخبار سيئة للنساء

حجم الخط

لندن- نانسي بيلوزي هي أول امرأة تنتخب لأعلى منصب سياسي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وليست تيريزا مي إلا رئيسة وزراء بريطانيا الثانية. و أمل كلوني هي محامية تدافع عن حقوق الإنسان، ومعروفة على مستوى العالم. أما سيرينا وليامز، فهي أعظم رياضية على مر التاريخ.

وتحقق هؤلاء السيدات الأربعة نجاحا في بيئة تعد فيها النساء ذوي الإنجازات الكبيرة استثناء وليس قاعدة. إلا أن بعض وسائل الإعلام تظهرهن على أساس أن إنجازاتهن وقدراتهن ثانوية مقارنة مع مظهرهن وأعمارهن وعلاقاتهن مع أشخاص آخرين، خاصة الرجال في حياتهن.

لنأخذ على سبيل المثال، بيلوزي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي. إذ في اليوم الذي انتخبت فيه لولاية ثانية، نشرت نيويورك تايمز تغريدة مرفوقة بصورة لها تقول: " نانسي بيلوزي، تصعد إلى المنصة الرخامية وسط المجلس، وهي ترتدي فستانا ورديا مثيرا، لتتسلم المطرقة الخشبية." وحذفت التغريدة لاحقا، وعلقت عليها التايمز قائلة" صيغتها رديئة". لكنها تظهر الكثير من التمييز على أساس الجنس، سواء كان ذلك ضمنيا أو بصراحة، ولا زال هذا التمييز هو محور صناعة الإعلام.

وتيريزا مي هي من السياسيات الرائدات في أوروبا في العقد الأخير كله تقريبا. إلا أن وسائل الإعلام البريطانية لطالما أظهرت انبهارها بحبها للموضة، مخصصة مساحة إعلانية كبيرة في جرائدها، والعديد من الصور لاختياراتها في الملابس وميولاتها في ما يتعلق بالأحذية، بدل التركيز على قراراتها السياسية. إن التأثير اللاشعوري لهذا الخطاب هو تدمير دور مي المرأة في عالم يسيطر عليه الرجل.

وتدرك كلوني جيدا ما معنى الحكم عليها على أساس الربط. إذ في أغسطس 2015، نشرت وكالة أسوشيتد بريس تغريدة تقول فيها :" أمل كلوني، زوجة الممثل، تمثل صحافي الجزيرة المتهم بعلاقته مع المتطرفين." وتلقت التغريدة انتقادات على نطاق واسع، وكتبت أسوشيتد بريس لاحقا أنها محامية تدافع عن حقوق الإنسان. لكن ما حدث يؤكد هوس وسائل الإعلام ب"إثارة الانتباه"، والحاجة إلى المزيد من المنابرللتوقف قبل نشر صور أو كلمات ترسخ التنميطات الجنسانية التي أكل عليها الدهر وشرب.

وفازت ويليامز بالمركز ال23 في البطولة الكبرى لكرة المضرب اللاعب الفردي، لكن بعض المنابر الإعلامية تزيد من التمييز على أساس الجنس والعنصرية اللذين واجهتهما في عالم كرة المضرب التقليدي الذي يسيطر عليه الرجل. وانفجرت عاصفة إعلامية في شهر سبتمبر/أيلول، عندما خسرت ويليامز نهائيات بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، واتهمت المسؤولين في رياضة كرة المضرب بمعاملتها بطريقة أقسى من تلك التي عاملوا بها الرجال. وعاقبها الحكم في وقت سابق بسبب تلقيها إشارات تدريبية من الجمهور، وتكسيرها لمضربها ووصفه ب"اللص".

وقزمت بعض وسائل الإعلام لاحقا ويليامز عندما وصفتها بالمرأة السوداء الغاضبة ، وأثارت رسوم كاريكاتورية تُظهر غضبها في جريدة هيرالد سان في ميلبورن، أستراليا، غضبا كبيرا وسط النقاد الذين اعتبروا ذلك عنصريا وعدوانيا. ودافعت الجريدة عن الرسوم الكاريكاتورية واصفة إياها بالساخرة، وقائلة أن نقادها على صواب سياسيا.

ولاحقا شكرت بيلي جين كينغ، التي ساهمت في افتتاح دورة كرة المضرب نساء ، ويليامز على تويتر " على تحديها لهذه المعايير المزدوجة"، التي بحكمها غالبا ما توصف النساء ب"الهستيريات" بينما يوصف الرجال الذين يتصرفون بنفس الطريقة ب"الصريحين". وإذا استمرت وسائل الإعلام في استعمال مثل هذه المصطلحات، فهي ترسخ الخطاب الذي يقول أنه لا ينبغي على النساء والفتيات أن يسعين إلى مناصب القيادة، ولازال ينبغي عليهن التصدي للعديد من العقبات من أجل إبراز قدراتهن في عالم الرجل.

ورغم أن وصف وسائل الإعلام للنساء يسبب الإحباط، فهذا ليس أمرا مفاجئا، نظرا لعدم التوازن بين الجنسين في هذا المجال. ووفقا لمشروع مراقبة الإعلام العالمي، الذي ينتج تقريرا دائما بشأن القضايا الجنسانية في الأخبار، تَغير تمثيل النساء شيئا ما في العقدين الأخيرين. ونادرا ما تشغل النساء مناصب السلطة في غرف الأخبار وكثيرا ما تغطي الصحافيات قضايا أقل جدية من زملائهم الرجال. وفضلا عن هذا، قليلة هي القصص الإخبارية التي تتحدث عن المرأة، ويفوق عدد الخبراء الرجال الذين يشار إليهم كمصادر عدد الخبراء في صنف النساء في كل مجال تقريبا.

لكن الوضع ليس سيئا للغاية وليس ميؤوسا منه. إذ في السنوات القليلة الماضية، اعترفت بعض المنابر الإعلامية الشهيرة بإخفاقاتها، وسعت لحل مشكل عدم التوازن المنهجي. والتزمت بلومبورغ ووول ستريت جورنال وغيرها من المنابر الإعلامية بالرفع من عدد النساء في مناصب القيادة، والتحسين من ظروف النساء العاملات في هذه المنابر، وتحسين التغطية التحريرية التي تقوم بها النساء.

وفي مكان آخر، يدير مركز الإعلام للنساء شي سورس ، قاعدة بيانات من خبيرات على الهواء لتستعين بها الصحافيات. وتنتج نيوزمارفنز في بولندا كل أسبوع، أخبارا مختصرة تختارها النساء ، لتحقيق توازن في وجهات النظر التي يهيمن عليها الرجل والسائدة في وسائل الإعلام، بينما تخصص إذاعة فرانس 24 برنامجها الأسبوعي، ذا 51% ، بأكمله تقريبا، لإبراز النساء وكيف يُعِدن تشكيل العالم.

لكن كلما اشتغل منبر إعلامي ما على تغيير الرواية الجنسانية، هناك للأسف منابر أخرى تميز على أساس الجنس. ولازال أمامنا طريق طويل حتى تغطي وسائل الإعلام القضايا المتعلقة بالمرأة بطريقة متوازنة وتتخلى عن الصور النمطية بشأنها.

وتتحمل وسائل الإعلام مسؤولية عكس صورة المجتمع، ليس فقط كما هون بل كما ينبغي أن يكون. وهذا يعني المزيد من التقارير بشأن النساء- خاصة في الصناعات التي يهيمن عليها الرجل- وإبرازهن بنفس الصورة التي يظهر بها الرجل. وإلا، لن يُنظر إلى هؤلاء النساء كقدوة يُحتذى بها. فعلى أي حال، لا يمكننا أن نقتدي بقدوة لا نراها.

المصدر: PS، موقع "اللواء"