بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

29 حزيران 2018 09:29ص أردوغان العظيم

حجم الخط

إسطنبولــ الآن، حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدفه السياسي المطلق المتمثل في كونه أول رئيس تنفيذي منتخب شعبيا للبلاد، بعد حصوله على 53% من الأصوات الوطنية في انتخابات الأحد. قبل عام واحد، دفع أردوغان بتعديلات دستورية لتحويل ديمقراطية تركيا البرلمانية إلى نظام رئاسي شديد المركزية. والآن ستدخل هذه التعديلات حيز التنفيذ بالكامل.

تعطي هذه التعديلات الدستورية أردوغان صلاحيات وسلطات جديدة مثل تعيين نواب الرئيس، والوزراء، وكبار المسؤولين. كما تسمح له بحل البرلمان، والاحتفاظ بعضويته في حزب سياسي، والإدلاء برأيه في تعيين القضاة في المحاكم العليا، وإصدار المراسيم بقوة القانون، وفرض حالة الطوارئ. وبموافقة الناخبين عليها بهامش ضئيل في إبريل/نيسان الماضي، ألغت هذه التعديلات الدستورية أيضا منصب رئيس الوزراء. وعلى مدار السنوات الخمس المقبلة، سيكون أردوغان رئيس دولة تركيا، ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيس الحكومة.

وأردوغان، فضلا عن ذلك، آمن في منصبه لأن الانتخابات الرئاسية المبكرة تتطلب موافقة ثلثي الأصوات البرلمانية ــ وهو سيناريو غير محتمل بفضل شبه الأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية. وعلى هذا فقد أصبح أردوغان الزعيم التركي الأكثر قوة منذ بدأت البلاد تعقد انتخابات تنافسية في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة. والآن، ستصاغ سياسات تركيا الداخلية والخارجية بواسطة رجل واحد في نهاية المطاف.

يتناقض هذا بطبيعة الحال مع الديمقراطية الليبرالية، والتي تتلخص إحدى سماتها الأساسية في مجموعة قوية من الضوابط والتوازنات المؤسسية المصممة لوضع حدود للسلطة التنفيذية. ويعكس نقل صلاحيات عريضة بشكل استثنائي إلى الرئيس التنفيذي بموجب الدستور الجديد رؤية شعبوية للحكم والتي بموجبها لا ينبغي إعاقة الزعيم المنتخب، باعتباره الممثل الحقيقي للأمة، عن السعي إلى تحقيق مصالح الأمة. ولا تستطيع الأمة أن تحكم على أداء الرئيس إلا كل خمس سنوات.

بتبني نص دستوري عن طريق استفتاء، يبدو أن أغلبية ضئيلة من الناخبين الأتراك أعطت مباركتها لهذا المفهوم الشعبوي للسياسة الديمقراطية. لكن اعتبارين أساسيين سوف يقيدان كيف يستخدم أردوغان مجموعته المبهرة من الامتيازات الحصرية الجديدة.

فأولا، على الرغم من الفوز بالرئاسة، خسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته الصريحة في البرلمان. فبالحصول على 42% من الأصوات، بانخفاض سبع نقاط مقارنة بانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على 293 مقعدا من أصل 600 مقعد في البرلمان. ونتيجة لهذا، سيضطر أردوغان إلى البحث عن تحالفات لكي يتمكن من استنان التشريعات. فحتى مع تضاؤل دور البرلمان بموجب الدستور الجديد، تظل السيطرة على السلطة التشريعية مهمة لتمكين الدولة من أداء وظيفتها بشكل فعّال.

يُعَد حزب الحركة القومية اليميني المتطرف الحليف المعتاد لأردوغان في البرلمان. وكان الحزبان في تحالف قبل الانتخابات، ويدين أردوغان بانتخابه لنحو 11% من الأصوات والتي أعطاها له شريكه السياسي. لكن التحالف الأعمق والأطول أمدا مع حزب الحركة القومية من شأنه أن يخلف عواقب مهمة على السياسات الداخلية في تركيا ومكانتها الدولية. وسوف يحد أيضا من الحيز المتاح لأردوغان للمناورة السياسية.

في الداخل، يمثل حزب الحركة القومية النظام والأمن. وبالتالي فإن التحالف مع حزب الحركة القومية سيحول دون أي انفتاح ــ مثل مبادرة السلام التي أطلقها حزب العدالة والتنمية في عام 2015 ــ تجاه أكراد تركيا. وعلى نفس المنوال، ليس من المرجح أن يكون حزب الحركة القومية شريكا طبيعيا في أي إصلاحات ديمقراطية واسعة النطاق تهدف إلى تعزيز الحريات الأساسية.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، سوف يعمل موقف حزب الحركة القومية الرافض لأوروبا بطبيعته على الحد من الحيز الدبلوماسي المتاح لتركيا لإعادة بناء علاقاتها مع شركائها في الغرب. فخلال الحملة، دعت قيادات حزب الحركة القومية تركيا إلى سحب طلبها المحتضر للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وتفرض نقاط الضعف الاقتصادية في تركيا قيدا ثانيا بنفس القدر من الأهمية على سلطة أردوغان. وعلى النقيض من الاقتصادات القائمة على السلع الأساسية والتي لديها فوائض في الحساب الجاري، مثل روسيا والبرازيل، تعتمد تركيا على المدخرات الأجنبية. وتحفز تركيا نموها من خلال استغلال أسواق رأس المال الدولية لتمويل احتياجاتها السنوية من الاقتراض الخارجي والتي تبلغ نحو 250 مليار دولار. ويرجع هذا العجز الضخم إلى الفجوة المزمنة بين الاستثمار والادخار، وفشل حكومات حزب العدالة والتنمية السابقة في تنفيذ الإصلاحات البنيوية لزيادة الإنتاجية الكلية وتعزيز قدرة تركيا التنافسية على المستوى الدولي.

وكان التركيز المفرط على النمو في السنوات الأخيرة سببا وراء تفاقم هذه الصعوبات. في العام الماضي، كان معدل النمو الذي سجلته تركيا بنحو 7% بين أعلى المعدلات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. لكن سياسات أردوغان التوسعية أدت إلى تفاقم اختلالات التوازن البنيوية في البلاد، مع ارتفاع التضخم إلى خانة العشرات، وارتفاع أسعار الفائدة الاسمية إلى 16%، وتجاوز عجز الحساب الجاري 6% من الدخل الوطني.

وعلى هذا فإن أداء أردوغان كرئيس تنفيذي لتركيا يعتمد على قدرته على رسم مسار يلبي الأولويات الرئيسية لحزب الحركة القومية ويعالج العواقب السلبية الناجمة عن فرط النشاط الاقتصادي. ومن المرجح أن يصبح هذان القيدان أكثر قوة بمرور الوقت، مع اكتساب حزب الحركة القومية قدرا متزايدا من الجرأة بفضل نفوذه البرلماني، وتزايد احتياج الاقتصاد إلى تعديل ربما يكون انكماشيا.

خلال فترة ولاية أردوغان المقبلة، سوف يظل السؤال باقيا: هل من الممكن أن تخدم هذه القيود العملية ــ وبالتالي السريعة الزوال ــ كوكيل الحد الأدنى للضمانات القوية المعمول بها في أي نظام ديمقراطي متماسك؟

المصدر: PS، موقع "اللواء"