بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

12 حزيران 2018 01:32م أردوغان يبيع عصير الليمون ومودي يدير كشك الشاي

حجم الخط

تتسم المقارنات في عموم الأمر بالافتقار إلى العدل وإثارة الاستياء، وخاصة عندما تتعلق بقادة سياسيين ينتمون إلى دول مختلفة. ولكن في حين وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السلطة قبل رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي بنحو أحد عشر عاما، فإن هناك الكثير من مساراتهما الشخصية والمهنية التي تجعل المقارنة مغرية إلى حد لا يقاوم.

ينتمي كل من أردوغان ومودي إلى خلفية متواضعة من بلدة صغيرة: فكان أردوغان يبيع عصير الليمون والمعجنات في شوارع مدينة ريزه؛ وكان مودي يساعد والده وأخاه في إدارة كشك للشاي على محطة للسكك الحديدية في فادناجار. وكل منهما رجل عصامي نشط ويتمتع بلياقة بدنية عالية ــ كان أردوغان لاعب كرة قدم محترف قبل أن يصبح سياسيا؛ وكان مودي يتفاخر بقطر صدره الذي يبلغ 142 سنتيمترا ــ ناهيك عن كونه خطيبا مفوها.

كما نشأ كل من أردوغان ومودي على قناعات دينية شكلت في نهاية المطاف حياته المهنية كسياسي. وكل من حزب أردوغان العدالة والتنمية وحزب مودي بهاراتيا جاناتا يروج لعقيدة قومية ذات صبغة دينية ويزعم أنها أكثر مصداقية من الإيديولوجيات العلمانية المستوحاة من الغرب والتي كانت في الماضي توجه جهود التنمية في البلدين.

ولكن في سبيلهما إلى الفوز بالسلطة، لم يعتمد أردوغان ومودي بشكل كامل على الناخبين المتدينين. بل خاض كل منهما حملته ببرنامج حداثي، زاعما أنه من خلال تنفيذ سياسات داعمة للأعمال والحد من الفساد يصبح بوسعه جلب قدر أعظم من الرخاء الاقتصادي مقارنة بالمؤسسة التي سعى إلى استئصالها.

وهنا يستغل أردوغان ومودي الماضي والمستقبل لتحقيق غاياتهما. فيمجد أدروغان إرث الإمبراطورية العثمانية، في حين يقول للناخبين إنهم لا "يختارون رئيسا ونوابا فحسب" بل إنهم أيضا "يختارون من أجل مستقبل البلاد في القرن القادم". على نحو مماثل، يستحضر مودي على نحو لا ينقطع إنجازات الهند القديمة، والتي يزعم أنه يسعى إلى إحيائها باسم خلق مستقبل أفضل.

باختصار، وطد كل من أردوغان ومودي سلطته من خلال تمجيد الماضي، مع تصوير نفسه على أنه عامل تغيير ديناميكي موجه نحو المستقبل ــ فهو بطل يصول ويجول على فحل أيض، شاهرا سيفه، ويقطع القيود التي تمنع بلده من الانطلاق.

في الوقت نفسه، رسم كل من أردوغان ومودي نفسه على أنه سياسي من خارج المؤسسة، ويمثل الأتراك أو الهنود "الحقيقيين" الذين عانوا طويلا من التهميش من قِبَل العلمانيين العالميين. ومع ارتفاع السخط الشعبي عندما وصل كل منهما إلى السلطة، لاقت هذه الرسالة السياسية آذانا صاغية. وقد سَهَّل السرد حول الاستياء والسخط على النخب العلمانية الراسخة، الذي تخلله خطاب ديني شوفيني محرف للتاريخ، ظهور كل من الرجلين كصوت للطبقات المتوسطة التي تنتمي إلى المناطق النائية والمدن والبلدات من الدرجة الثانية.

عندما أصبح أردوغان رئيسا للوزراء أول مرة في عام 2003، تعزز موقفه بفِعل النمو العالمي المزدهر، الأمر الذي شجعه على البدء في تحويل النظام السياسي التركي. وعملت صيغته السياسية ــ تركيبة قوية تتألف من الهوية الدينية، والأغلبية المتغطرسة، والقومية المفرطة، والسلطوية المتزايدة (بما في ذلك الهيمنة المؤسسية)، وفرض القيود على وسائل الإعلام، والنمو الاقتصادي القوي، وشخصية قوية مقنعة ــ على حمله إلى إعادة انتخابه رئيسا للوزراء مرتين، ومن هناك إلى الرئاسة في عام 2014.

وقد ذهب مودي، سواء عن وعي أو بغير وعي، إلى تكييف صيغة أردوغان مع جهوده لإعادة تشكيل الهند. فسعى إلى تهميش المسلمين وتعزيز الشوفينية الهندوسية. ويشعر المنتمون إلى الأقليات عموما بأنهم محاصرون، حيث لم تستبعدهم قومية مودي فحسب، بل وتصورهم أيضا على أنهم خونة.

علاوة على ذلك، في الهند في عهد مودي، تُشتَرى الولاءات السياسية غالبا، وتهدم المؤسسات لخدمة أجندة طائفية ضيقة. وقد واجه المعارضون في وسائل الإعلام والجامعات الترهيب. المنطقة الوحيدة التي تعثر فيها مودي هي نمو الناتج المحلي الإجمالي، نظرا لسوء الإدارة الاقتصادية المروع من قِبَل حكومته.

على المسرح الدولي أيضا، هناك أوجه تشابه بارزة بين الطريقة التي يتصرف بها أردوغان ومودي. فكل منهما يلاحق سياسات خارجية ناشطة تهدف إلى تعزيز صورته في الداخل، وكل منهما استقطب دعم الجاليات الهندية في الخارج. وربما تستعدي خطب أردوغان في البلقان الولايات المتحدة وأوروبا، بل وحتى الصرب والكروات، لكنها ترفع أسهمه بين الأتراك. وعندما يخاطب مودي مدرجات إستاد مكتظة بالمغتربين الهنود في زياراته إلى الخارج، فإن خطاباته تستهدف بشكل مباشر الجماهير في الوطن.

مؤخرا، عَلَّق سونر كابتاجاي، وهو محلل تركي ومؤلف كتاب عن أردوغان قائلا: "نصف أهل البلاد يكرهونه ويعتقدون أنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء بشكل صحيح. ولكن في الوقت نفسه، النصف الآخر يعبدونه، ويعتقدون أنه من غير الممكن أن يفعل أي شيء بشكل غير صحيح". ويصدق نفس القول على مودي في الهند.

بطبيعة الحال، هناك اختلافات مهمة بين تركيا والهند. فبادئ ذي بدء، يعادل عدد سكان تركيا (81 مليون نسمة) أقل من نصف عدد سكان ولاية هندية واحدة، أوتار براديش، التي يتجاوز عدد سكانها 210 ملايين نسمة. وتركيا مسلمة بأغلبية 98%، في حين تمثل الهندوسية في الهند 80% من السكان فقط. ويمثل التعصب الإسلامي، كما يؤكد الشوفينيون الهندوس بلا كلل أو ملل، ظاهرة عالمية؛ أما التعصب الهندوسي فليس كذلك. وتركيا ليس لديها ما يعادل المهاتما غاندي، ورسالته في نبذ العنف والتعايش السلمي التي تُزرَع في رأس كل طفل في المدارس الهندية.

علاوة على ذلك، تُعَد تركيا دولة متقدمة إلى حد ما، في حين لا يزال الطريق أمام الهند طويلا قبل أن تبلغ هذه النقطة. وعلى النقيض من الهند، لم تستعمر تركيا أو تقسم قَط على أساس ديني، كما حدث مع الهند لخلق باكستان (وإن كان تبادل السكان الذي رافق انفصال تركيا عن اليونان قريب الشبه).

أما ما مرت به تركيا ولم تمر به الهند فهو نوبات من الحكم العسكري. والواقع أن الديمقراطية في الهند راسخة بعمق، الأمر الذي يجعلها أقل عُرضة للوقوع أسيرة حاكم منفرد. ويفسر هذا جزئيا لماذا يصعب للغاية على كثيرين من الهنود أن يتخيلوا دولتهم تسير على خطى تركيا لكي تتحول إلى ديمقراطية أغلبية غير ليبرالية يتولى السلطة فيها حاكم مستبد.

ولكن برغم أن مودي وحزب بهاراتيا جاناتا لم يحققا تلك الدرجة من "أسر الدولة" التي بلغها أردوغان وحزب التنمية والعدالة، فربما يعود هذا إلى أنهما متأخران بإحدى عشرة سنة. والمسار الذي يسلكه مودي وحزبه الآن مماثل بالقدر الكافي لتبرير المقارنة ــ واستثارة القلق والانزعاج. والآن تدق أجراس الإنذار: فمثلها كمثل الليرة التركية، فقدت الروبية الهندية أكثر من 5% من قيمتها في الشهر الأخير. ومع اقتراب الانتخابات في كل من البلدين ــ في تركيا هذا الشهر، وفي الهند في ربيع عام 2019 ــ فهل ينتبه الناخبون إلى نُذُر الخطر؟

المصدر: PS، موقع "اللواء"