بيروت - لبنان

اخر الأخبار

بوابة العالم

5 شباط 2020 09:34ص أول انتقاد أميركي لخطة ترامب: "أين البديل الفلسطيني لصفقة القرن؟"

نتنياهو وترامب يتصافحان بعد خطاب الاخير في القدس في العام ٢٠١٧. (رويترز) نتنياهو وترامب يتصافحان بعد خطاب الاخير في القدس في العام ٢٠١٧. (رويترز)
حجم الخط

يُفاخر فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسؤول عن ملف السلام في الشرق الأوسط في أنه اقترح "حلًا شاملًا وخلّاقًا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وعلى الرغم من أن ترامب يُسارع إلى شجب الجهود الفاشلة للإدارات الأميركية السابقة في الوصول إلى حلّ، إلا أن فريقه غاص فعليًا في المفاهيم والمبادئ وحتى إعادة صياغة الخطط السابقة للوسطاء الأميركيين الذين حاولوا إرساء أساس للاتفاق عن طريق سدّ المواقف المتباينة لطرفي النزاع. لكنّ فريق ترامب أوجد، ببساطة، "الحلّ النهائي" للقضايا الشائكة (الحدود والأمن والقدس واللاجئين والاعتراف المتبادل) لصالح إسرائيل قبل بدء المفاوضات حتى.

غور الأردن وأمن الحدود

على سبيل المثال، أولى المفاوضون الأميركيون اهتمامًا خاصًا لتأمين الحدود بين الأردن ودولة فلسطينية مستقبلية، خشية أن تُصبح هذه الحدود بوابة للجيوش أو "الإرهابيين" الذين يعبرون الضفة الغربية ومن ثمّ إلى "إسرائيل". خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قام فريق من خبراء الأمن الأميركيين، بالتشاور مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين، بوضع خطة تسمح لقوات الأمن الفلسطينية السيطرة تدريجيًا على الحدود ؛ وخلال هذه الفترة، ستكون الفرصة سانحة للقوات الفلسطينية بإظهار التزامها وقدرتها على ضبط الحدود.

استعار فريق ترامب من تلك الخطة، مفهوم وضع معايير أمنية ومقاييس التقدّم الفلسطيني، ولكن بدلًا من ذلك، طبقها على الأمن الداخلي داخل الدولة الفلسطينية، بحيث تكون إسرائيل هي الحَكَم النهائي على الأداء الفلسطيني. وفي الوقت ذاته، أوجد الفريق الحلّ لمسألة أمن الحدود بمنح غور الأردن بأكمله لإسرائيل. وبالتالي، فإن خطة ترامب ستُحيط الدولة الفلسطينية بالأراضي الاسرائيلية، وبالتالي تُقطّع تواصلها مع الأردن بتحويل اريحا إلى جيب فلسطيني، وتحويل دولة فلسطين إلى شبيه بـ"بانتوستان" (منطقة مُخصّصة للسكان السود في جنوب إفريقيا وجنوب غرب إفريقيا (ناميبيا الآن)، كجزء من سياسة الفصل العنصري).

مشروع "الحوض المُقدّس"

وبطريقة ممثالة، كافح المفاوضون الأميركيون السابقون للتوفيق بين المطالب التنافسية بالسيادة على القدس، وخاصّة في مشروع "الحوض المُقدّس" الذي يشمل المدينة القديمة والمُقدّسات المسيحية والإسلامية واليهودية فيها. في السابق، سعى المفاوضون إلى حلّ مسألة السيادة لصالح الإدارة المُشتركة للمدينة القديمة. وبدلاً من ذلك، قام فريق ترامب بحلّ هذه المسألة من خلال منح إسرائيل السيادة للأبد على المدينة بأكملها، بما في ذلك الأحياء المسيحية والإسلامية والمسجد الأقصى.

الحرم الشريف

خلال السنوات الـ25 الماضية، تمكّن اليهود من زيارة الموقع المعروف باسم "جبل الهيكل" عند اليهود و"الحرم الشريف" عند المسلمين، ولكن بسبب الحساسيات الدينية، سمحت الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة للمسلمين فقط بالصلاة هناك. وتحوّل ذلك إلى جزء من الوضع الراهن الذي يحكم إدارة الأماكن المُقدّسة. والتزمت خطة ترامب بالحفاظ على هذا الوضع الراهن، ولكنّها منحت اليهود أيضًا، حقّ الصلاة على جبل الهيكل، في خطوة تُشكّل خروجًا مثيرًا للقلق عن الواقع الحالي.

كتعويض لهم عن تنكّرهم لمطالبة الفلسطينيين بالسيادة على الحرم الشريف، وهو أقدس موقع في الإسلام، منح فريق ترامب الفلسطينيين مركزًا سياحيًا شمالي القدس يكون نقطة للوصول إلى الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة وخاضعًا للسيطرة الاسرائيلية، وهو العرض ذاته الذي رفضه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد في شهر تموز من العام 2000، حين أبلغ الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأنه (عرفات) إذا قبل بهذا الحلّ، فإنه يفضّل قتل نفسه على أن ينتظر شعبه لقتله.

القدس تحت السيادة الاسرائيلية

تتجاهل خطة ترامب الصيغ الأخرى التي تمّ التفاوض بشأنها بشقّ الأنفس لصالح الصيغ غير المتوازنة وغير العادلة بشكل واضح. فعلى سيبل المثال، نصّت جميع المقترحات الأميركية الخاصّة بالقدس منذ إدارة كلينتون، على أن الضواحي العربية في القدس الشرقية يجب أن تخضع للسيادة الفلسطينية، على أن تخضع الضواحي اليهودية للسيادة الإسرائيلية. غير أن خطة ترامب تضع كل الضواحي العربية في القدس الشرقية تقريبًا تحت السيادة الإسرائيلية، وتركت للفلسطينيين ضاحية عربية واحدة ومخيمًا للاجئين في الجانب الشرقي من الجدار الذي تخلّت عنه إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية. وفي ذلك الجزء من القدس الشرقية، دعت خطة ترامب الفلسطينيين إلى بناء عاصمتهم التي فصلها الجدار عن المسجد الأقصى وعن 300 ألف فلسطيني من سكان القدس الشرقية.

المستوطنات وتبادل الأراضي

أما بالنسبة للمستوطنات، فكّر المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون السابقون بضمّ إسرائيل إلى الكتل الاستيطانية الرئيسية الواقعة على طول حدود العام 1967 بين إسرائيل والضفة الغربية، إذا ما حصل الفلسطينيون على أرض تُعادل مساحتها ما تحصل عليها اسرائيل. وبموجب هذا الترتيب، يتمّ استيعاب 85 ​​في المئة من المستوطنين المُوزّعين على حوالي 3 إلى 5 في المئة من أراضي الضفة الغربية، في إسرائيل. وسيتمّ إخلاء المستوطنات النائية في قلب الضفة الغربية للسماح بقيام دولة فلسطينية مُجاورة. وتبنّى فريق ترامب فكرة تبادل الأراضي، لكن الخطة منحت الفلسطينيين أراضٍ قاحلةٍ على الحدود المصرية للتعويض عن دمج جميع مستوطنات الضفة الغربية في إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات النائية. وبذلك، تكون النتيجة دولة فلسطينية على شكل قطعة من الجبن السويسري (التي تتميّز بوجود الثقوب أو الفقّاعات المعروفة باسم العيون، وهذا الوصف أطلقه الرئيس الفلسطيني محمود عباس) تفتقر لأي تواصل جغرافي فيما بينها. وبدلاً من ذلك، اقترحت خطة ترامب التواصل "الانتقالي"، من خلال أنفاق تربط جُزر السيادة الفلسطينية. وبالطبع، ستكون هذه الأنفاق، تحت السيطرة الإسرائيلية.

القبول بالحد الأدنى

يتّفق العديد من الإسرائيليين والأميركيين ذوي النوايا الحسنة مع الصحافي في صحيفة "نيويورك تايمز" بريت ستيفنز، الذي كتب في مقال أن "الرفض الفلسطيني لخطة ترامب سيؤدي حتماً إلى الحصول على عروض أقلّ لاحقًا". ففي النهاية، قَبِل ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء اسرائيلي، بالدولة اليهودية المبتورة التي عرضتها عليه الأمم المتحدة في العام 1947. ولم يتضمّن ذلك العرض حتى، ضمّ شريحة صغيرة من القدس لعاصمة إسرائيل؛ فالقدس كلها كانت ستكون تحت إشراف دولي. ويتحاجج هؤلاء أنه على الفلسطينيين تبنّي نهجًا مماثلًا: يجب أن يقبلوا بالدولة الفلسطينية المتقطّعة التي عرضها ترامب عليهم الآن والمساومة من أجل شروط أفضل. وهذا ما دعا إليه جاريد كوشنر، المهندس الرئيسي لخطة ترامب، الذي قال: "إذا كانت بعض جوانب الخطة لا تروق للفلسطينيين، فيُمكنهم خوض النقاشات من أجل إجراء تغييرات".

لكن هذه الحجّة، تتجاهل الخلل الكبير في خطة ترامب كنقطة انطلاق للمفاوضات. كما تتجاهل حقيقة أن ما تُقدّمه خطة ترامب ضئيلًا جدًا ومشروطًا: من أجل الحصول على هذا القدر الكبير، يتعيّن على السلطة الفلسطينية أولاً أن تفي بمعايير الديمقراطية الغربية؛ وبعدها السيطرة الأمنية على غزة ونزع سلاح جميع العناصر "الإرهابية" هناك، وهو أمر لا تملك أي من مقوّمات القيام به. ومن الذي سيحكم على ما إذا كانت الحكومة الفلسطينية قد أوفت بهذه المتطلّبات؟ إنها إسرائيل.

إملاء أميركي- اسرائيلي

والأسوأ من ذلك كلّه، أنه جرى تقديم خطة ترامب على أنها إملاء، إذ يتحدّث فريق ترامب كما لو أن كل شيء تمّ الاتفاق عليه بين ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكلّ ما تبقّى من تفاصيل سيجري نقاشه بين الفريقين الأميركي والاسرائيلي وليس الفريقين الاسرائيلي والفلسطيني لتحديد الخطوط الدقيقة لخريطة ترامب المُحدّدة سلفًا. وعلى ما يبدو، تقف هذه المهمة، إضافة إلى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 آذار المقبل، حجر عثرة في خطة اسرائيل لضمّ غور الأردن وجميع المستوطنات، بغض النظر عما إذا كانت هناك مفاوضات إسرائيلية فلسطينية. يشرح مهندسو خطة ترامب أن إسرائيل مَدينةٌ بهذه الغنائم في مقابل قبول فكرة الدولة الفلسطينية والتخلّي عن 30 في المئة من الضفة الغربية. وبهذا، يُمكن للفلسطينيين أن يسألوا بشكل معقول: إذن، ماذا بقي للتفاوض؟

غنائم اسرائيلية

لسنوات عديدة، عارضت الحكومات الإسرائيلية الحلّ المفروض، والتزمت الإدارات الأميركية رسميًا بتجنّب الحل. أما الآن، قام فريق ترامب- بالتشاور الوثيق مع نتنياهو ومن دون أي تشاور على الإطلاق مع المسؤولين الفلسطينيين- بصياغة حلّ شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يبدو أنه عازم على فرضه على الفلسطينيين. ولا عجب في أنه عندما يبحث الفلسطينيون خطة ترامب، فإنهم لن يكونوا مستعدين للجلوس إلى طاولة مفاوضات لا تميل فقط بشكل دراماتيكي نحو إسرائيل، بل جرى توزيع الغنائم عليها ايضًا.

تجاوز خطة ترامب؟

ومع ذلك، لا يستطيع الفلسطينيون التغلّب على هذه الخطة من دون أي بديل. إن رفضهم لخطة ترامب، التي تبدو حتمية في ضوء الشروط المعروضة، سوف يُوفّر لنتنياهو المُبرّر للمضي قدمًا في عملية تقطيع أوصال الدولة الفلسطينية التي باركها ترامب. بدلاً من ذلك، يجب على القيادة الفلسطينية تجاوز خطة ترامب وإعلان استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 آذار. يجب أن تفعل ذلك بناء على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي المُتّفق عليها مسبقًا، والتي تنصّ على حلّ الدولتين وتبادل الأراضي في مقابل السلام. كما يُمكن للقادة الفلسطينيين أن يتمسّكوا بمبادرة جامعة الدول العربية، التي تنصّ على تطبيع 22 دولة عربية علاقاتها مع إسرائيل بمجرد إتمام الصفقة الفلسطينية. فمثل هذه الخطوة، قد تُعزّز الدعم العربي الهشّ وتُوجد دعمًا من المجتمع الدولي. ومن يدري؟ فقد تُجبر المعارضة الفلسطينية للمحادثات المُباشرة مع إسرائيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التخلّي عن خطّته والتوجّه نحو مقاربة أكثر توازناً وواقعية لحل نزاع القرن.

عن مجلة " فورين أفيرز " الأميركية

خاص "اللواء" - ترجمة: نغم أسعد